أصوب المخارج إذ هم أهل لذلك، كما هو مشهورٌ من مناقِبهم، ومعدودٌ من مآثرهم. وما وقع بينهم من المنازعات والمحاربات، له محاملّ وتأويلاتٌ واضحةٌ، جليّةٌ لِمَنْ لَمْ يُعْمِ الله تعالى بصيرته؛ وها أنا أوضح ذلك لمن يريد الحق، وأراد الله تعالى له الهداية. فأقول:

اعلم أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم عُدولٌ مجتهدون، وقد ثبت في الحديث الصحيح: "إن المجتهدَ إذا اجتهدَ وأصاب فله أجرانِ، وإذا اجتهدَ وأخطأَ فلهُ أجرٌ واحدٌ".

وسبب الخلاف بينهم هو أن عائشةَ وطلحةَ والزبير، رضي الله تعالى عنهم، قالوا: إن متابعة علي، رضي الله تعالى عنه، وبيعته لا تمكن حتى يُمَكِّنَ ورثةَ عثمان بن عفان، رضي الله تعالى عنه، مِنْ قتَلَتِهِ؛ فيقتصون منهم أو يَعْفون، وقال علي رضي الله تعال عنه: لا يَصِحُّ تمكينُهم منهم حتى يبايعَ الجميعُ، ويترافَعَ إليه ورثةُ المقتولِ والقاتلونَ، ويحكم بينهم بحكم الله تعالى. فأصل النزاع هو هذا.

وهذه مسألة اجتهادية، فليس بينهم نزاعٌ في طلب الإمارة، ولا في نزاع علي رضي الله تعالى عنه، ومعاوية رضي الله تعالى عنه، ابن عم عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ومعه ورثته، وهو طالبٌ بدمه، مريدٌ للقِصاص من القاتلين الذين مع علي، رضي الله تعالى عنه، كما طلبت منه ذلك الجماعة المتقدمة، وليس معاوية طالبًا الِإمارة، ولا منازعًا فيها، ولأجل كون المسألة اجتهادية ولم يتضح حكمها، اعتزل كثير من كبراء الصحابة الفِرْقتين، ولم يَدْخُلوا في القتال، كسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عُمر، ومحمد بن مَسْلمة، ودخل بعض من اعتزل الفرقتين مع علي، رضي الله تعالى عنه، لما مات عمار بن ياسر لكونه ثبت عنده قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يا وَيْحَ عَمّارٍ تَقْتُلُهُ الفئةُ الباغيةُ". واستمر بعضهم على اعتزال الفِتَن إلى أن ماتَ، كالثلاثة المذكورين، لكونهم لم يثبتْ عندهم الحديث، أو غير ذلك، وبهذا الحديث ظهر، وبحديث الخوارج أن عليًّا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015