عنها، وإلا فبدعة وفسق.

وقال في "فتح الباري": اختُلِف في سابِّ الصحابي، فقال عياض: ذهب الجمهور إلى أنه يُعَزَّرَ، وعن بعض المالكية يقتل، وخَصَّ بعض الشافعية ذلك بالشيخين والحسنين؛ فحكى القاضي حسين في ذلك وجهين، وقواه السُّبْكيُّ في حق من كَفَّرَ الشيخين، وكذا من كفر من صرح النبي - صلى الله عليه وسلم - بإيمانه أو بتبشيره بالجنة إذا تواتر الخبر بذلك عنه، لما تضمن من تكذيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وقد شفيت الغليل في الكلام على مبغض الصحابة في كتابي على الخلافة والباغية بما لا مزيد عليه، يسر الله طبعه ليعم به النفع.

الِإمساك عما شَجَرَ بين الصحابة

ومما هو واجبٌ بإجماع المسلمين في حق الصحابة، رضوان الله عليهم أجمعين، الِإمساك عما شجر بينهم، أي وقع من الاختلاف، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا ذُكِرَ أصحابي فَأمْسِكُوا". فلا يجوز للمسلم أن يصغي بأُذنِهِ إلى أخبار المؤرخين، وجهلة الرواة، وضُلّال الشيعة والمبتدعين القادحة في أحد منهم.

وقد أخبر عليه الصلاة والسلام، أن ما وقع بينهم مغفور لهم، فقد أخرج نُعَيْم بن يزيد بن أبي حَبيب مرسلًا، قال - صلى الله عليه وسلم -: "تَكونُ بَيْنَ أَصْحابي فتنة يغفِرُها الله لهم بسابِق صُحبتي لسابقتهم، إن اقتدى بهم قومٌ من بعدِهم كبَّهُمُ اللهُ تعالى في نار جَهَنَّمَ". هكذا لفظ "كنز العمال". ورويته عن شيخي عبد الله بن محمَّد سالم رحمه الله تعالى، وهو أول حديث رويته منه بلفظ: "سَتَكُونُ زَلَّةٌ بَيْنَ أَصْحابي يَغْفِرُها الله لهم بسابق صُحبتي، فيتأسى بهم أقوامٌ من بعدِهم؛ فَيَكبُّهمُ الله على مناخِرهِم في النّار". فبين الروايتين اختلاف قليل في بعض الألفاظ، والمعنىَ مُتحِدٌ.

وإذا علمت أن ما وقع بينهم مغفور بنص الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، لم يبق إلا أن تلتمسَ لهم أحسن التأويل، وتُخرِجَ لهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015