قلت: رؤيته عليه الصلاة والسلام لربه عز وجل ليلة الإسراء لا تدخل في الرؤية الدنيوية، لأن الدنيا على الصحيح ما على الأرض من الهواء والجو، والرؤية الواقعة في الملكوت الأعلى خارقة للعادة، فيمكن أن يعطى حينئذ قوة إبصار أهل الملكوت الأعلى، الذين هو فيهم الآن.
واختلف من أثبت الرؤية في معناها، فقال قوم: يحصل للرائي العلم بالله تعالى برؤية العين، كما في غيره من المرئيات، وهو على وفق قوله في حديث الباب: "كما ترون القمر" إلا أنه منزه عن الجهة والكيفية، وذلك أمر زائد على العلم، وهذا هو الحق. وقال بعضهم: إن المراد بالرؤية العلم، وعبر عنها بعضهم بأنها حصول حالة في الإنسان نسبتها إلى ذاته المخصوصة نسبة الإبصار إلى المرئيات. وقال بعضهم: رؤية المؤمن لله نوع كشف وعلم، إلا أنه أتم وأوضح من العلم، وهذا أقرب إلى الصواب من الأول. وتعقب الأول بأنه حينئذ لا اختصاص لبعض دون بعض، لأن العلم لا يتفاوت وتعقبه ابن التين بأن الرؤية بمعنى العلم تتعدى لمفعولين، تقول: رأيت زيدًا فقيهًا، أي: علمته. فإن قلت: رأيت زيدًا منطلقًا، لم يفهم منه إلا رؤية البصر. ويزيده تحقيقًا قوله في الخبر: "إنكم سترون ربكم عيانًا" لأن اقتران الرؤية بالعيان لا يحتمل أن يكون بمعنى العلم، وتمسك المانعون لها من المعتزلة والخوارج، بقوله عليه الصلاة والسلام في حديث سؤال جبريل: "أن تعبد الله كأنَّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، فقالوا: فيه إشارة إلى انتفاء الرؤية، وتعقب بأن المنفي فيه رؤيته في الدنيا، لأن العبادة خاصة بها، فلو قال قائل: إن فيه إشارة إلى جواز الرؤية في الآخرة لما أبعد، وتمسكوا بأن من شرط المرئي أن يكون في جهة، والله منزه عن الجهة. ويأتي رده، واتفقوا على أنه يرى عباده فهو راء لا من جهة، وتمسكوا بأن الرؤية تُوجب كون المرئي محدثًا وحالاًّ في مكان، وأوَّلوا قوله تعالى: {نَاظِرَةٌ} بمنتظرة، وهو خطأ، لأنه لا يتعدى. إلى آخر ما مرَّ.
قال ابن بطال: وما تمسكوا به فاسد، لقيام الأدلة على أن الله تعالى موجود، والرؤية في تعلقها بالمرئي بمنزلة العلم في تعلقه بالمعلوم، فإذا كان تعلق العلم