بالمعلوم لا يوجب حدوثه، فكذلك المرئي، وتمسكوا بقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}، وبقوله تعالى لموسى: {لَنْ تَرَانِي}، فقالوا في الأول: يلزم من نفي الإدراك بالبصر نفي الرؤية، وقالوا في الثالث: إن "لن" للتأبيد، بدليل قوله تعالى: {لَنْ تَتَّبِعُونَا}، والجواب عن الأول أن المراد من الإدراك الإحاطة، ونحن نقول به، فنفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية، لإمكان رؤية الشيء من غير إحاطة بحقيقته، وبأن المراد لا تدركه الأبصار في الدنيا، جمعًا بين دليلَي الآيتين. وعن الثاني بأنَّا لا نسلم أن "لن" تدل على التأبيد، بدليل قوله تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} مع أنهم يتمنونه في الآخرة في قوله تعالى: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}، وبان المراد: لن تراني في الدنيا جمعًا أيضًا، ولأن نفي الشيء لا يقتضي احالته مع ما جاء من الأحاديث الدالة على وفق الآية، وقد تلقاها المسلمون بالقبول من لدن الصحابة والتابعين، حتى حدث من أنكر الرؤية، وخالف السلف.
وقال القرطبي: اشترط النفاة في الرؤية شروطًا عقلية، كالبينة المخصوصة، والمقابلة واتصال الأشعة، وزوال الموانع كالبعد والحجب، في خبط لهم وتحكم. وأهل السنة لا يشترطون شيئًا من ذلك سوى وجود المرئيّ، وأن الرؤية إدراك يخلقه الله تعالى للرائي فيرى المرئيّ وتقترن بها أحوال يجوز تبدلها. وقد أفرطت طائفة من المتكلمين، كالسالمية من أهل البصرة، فزعموا أن في الحديث دليلًا على أن الكفار يرون الله تعالى يوم القيامة من عموم اللقاء والخطاب، وقال بعضهم: يراه بعض دون بعض، واحتجوا بحديث أبي سعيد، حيث جاء فيه أن الكفار يتساقطون في النار إذا قيل لهم ألا تردون، ويبقى المؤمنون فيهم المنافقون، فيرونه لمّا ينصب الجسر، ويتبعونه، ويعطى كل إنسان منهم نوره، ثم يطفأ نور المنافقين.
وأجابوا عن قوله: {إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} بأنه بعد دخول الجنة، وهو احتجاج مردود، فإن بعد هذه الآية: {ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ}، فدل على أن الحجب وقع قبل ذلك. وأجاب بعضهم بأن الحجب يقع عند