بالبياض والصفاء، {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، قال: تنظر كل يوم في وجه الله تعالى"، وفي رواية: "لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه وخدمه ونعيمه، وسرره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله تعالى من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية". وروى هذا الحديث عن ابن عمر موقوفًا، ولا يضر وقفه، لأنه لا يقال من قبل الرأي، فله حكم الرفع. وأخرج الطبري بسند صحيح عن عكرمة في هذه الآية، قال: تنظر إلى ربها نظرًا. وأخرج عن الحسن: تنظر إلى الخالق، وحق لها أن تنظر.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة: انظروا ماذا أعطى الله عبده من النور في عينه من النظر إلى وجه ربه الكريم عيانًا، يعني في الجنة. ثم قال: لو جعل نور جميع الخلق في عيني عبد، ثم كشف عن الشمس ستر واحد، ودونها سبعون سترًا ما قدر على أن ينظر إليها، ونور الشمس جزء من سبعين جزءًا من نور الكرسي، ونور الكرسي جزء من سبعين جزءًا من نور العرش، ونور العرش جزء من سبعين جزءًا من نور الستر. وفيه إبراهيم بن الحكم بن أبان، وهو ضعيف. وأخرج عبد بن حميد، عن عكرمة من وجه آخر إنكار الرؤية، ويمكن الجمع بالحمل على غير أهل الجنة. قلت: ويؤيد الحمل المذكور ما مرَّ قريبًا في الأثر المروي عنه، "يعني في الجنة"، وأخرج أيضًا بسند صحيح عن مجاهد: ناظرة تنظر الثواب. وعن أبي صالح نحوه، ويأتي قريبًا رد هذا التأويل.
وبالغ ابن عبد البر في رد ما نقل مجاهد، وقال: هو شذوذ، وقد تمسك به بعض المعتزلة، ويأتي في متمسكاتهم الواهية، وقد استدل البخاري وغيره من العلماء على ثبوت الرؤية يوم القيامة بقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، قلت: وهي أقوى دليل. قال البيهقي: وجه الدليل من الآية أن لفظ ناضرة الأول، بالضاد المعجمة الساقطة من النضرة، بمعنى السرور. ولفظ ناظرة، بالظاء المعجمة المشالة يحتمل في كلام العرب أربعة أشياء: نظر التفكر والاعتبار كقوله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}، ونظر الانتظار كقوله تعالى: {مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً}، ونظر التعطف والرحمة كقوله تعالى: {لا ينظر الله إليهم}، ونظر الرؤية كقوله تعالى: {يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ