تظهر مناسبة إيراد حديث: "يتعاقبون ... " عقب هذا الحديث، لكن لم يظهر وجه تقييد ذلك بكونه في جماعة، وإن كان فضل الجماعة معلومًا من أحاديث أُخر، بل ظاهر الحديث يتناول من صلاهما ولو منفردًا، إذ مقتضاه التحريض على فعلهما، وذلك أعم من كونه في جماعة أو لا. قال الخطابي: هذا يدل على أن الرؤية قد يرجى نيلها بالمحافظة على هاتين الصلاتين.
وقوله: "ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} "، والمراد بالتسبيح الصلاة، وفي جميع روايات البخاري إبهام فاعل قرأ، وفي أكثر روايات غيره، وظاهر السياق أنه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وعليه حمله بعض الشرّاح، ولم يوجد ذلك صريحًا. وأخرجه مسلم بإسناد حديث الباب "ثم قرأ جرير"، أي: الصحابي، وكذلك أخرجه أبو عَوانة في صحيحه، فظهر أن في حديث الباب وما وافقه إدراجًا، ووجه مناسبة ذكر هاتين الصلاتين عند ذكر الرؤية أن الصلاة أفضل الطاعات، وقد ثبت لهاتين الصلاتين من الفضل على غيرهما ما ذكر من اجتماع الملائكة فيهما، ورفع الأعمال وغير ذلك، فهما أفضل الصلوات، فناسب أنْ يجازى المحافظ عليهما بأفضل العطايا، وهو النظر إلى الله تعالى. وقيل: لما حقق رؤية الله تعالى برؤية القمر والشمس، وهما آيتان عظيمتان، شرعت لخسوفهما الصلاة والذكر ناسب من يحب رؤية الله أن يحافظ على الصلاة عند غروبها، وفي هذا تكلف.
اعلم أن رؤية المؤمنين لله تعالى في الآخرة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة وسلف الأمة. وقد رُوِيَ أحاديث أكثر من عشرين صحابيًا، ومنعتها المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة، واحتجوا في ذلك بوجوه يأتي إبطالها إن شاء الله تعالى، ومن الأحاديث الواردة في ذلك المطربة للمؤمنين، من غير أحاديث الصحيحين، ما أخرجه عبد بن حُميد والتِّرمذيّ والطبريّ وغيرهم، وصححه الحاكم عن ابن عمر، عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، قال: "إن أدنى أهل الجنة منزلة لَمَن ينظر في ملكه ألف سنة، وإن أفضلهم منزلة لمن ينظر في وجه ربه عز وجل في كل يوم مرتين"، قال: ثم تلا: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ}