في "التوحيد"، تقديمُ القمر على الشمس.
وقد قال ابن المنير عند ذكرهما: إنما خص الشمس والقمر بالذكر، مع أن رؤية السماء بغير سحاب أكبر آية، وأعظم خلقًا من مجرد الشمس والقمر، لما خصا به من عظيم النور والضياء، بحيث صار التشبيه بها فيمن يوصف بالجمال والكمال سائغًا شائعًا في الاستعمال. وقد قالوا: إن في عطف الشمس على القمر في الرواية الأخيرة، مع أن تحصيل الرؤية بذكره كافٍ، لأن القمر لا يدرك وصفَه الأعمى حسًّا، بل تقليدًا، والشمس يدركها الأعمى حسًا بوجود حرها إذا قابلها وقت الظهيرة مثلًا، فحسن التأكيد. وذكره للقمر في محل ذكره لهما في محل آخر، إن ثبت أن المجلس واحد، خدشٌ في الحكمة التي مرت في انفراد القمر. وقد أبدى ابن أبي جمرة حكمة في الرواية التي وقع فيها الابتداء بذكر القمر، فقال: في الابتداء بذكر القمر متابعة للخليل، فكما أمر باتباعه في الملة اتبعه في الدليل، فاستدل به الخليل على إثبات الوحدانية، واستدل به الحبيب على إثبات الرؤية، فاستدل كل منهما بمقتضى حاله، لأن الخلة تصح بمجرد الوجود، والمحبة لا تقع غالبًا إلا بالرؤية، وقد مرت الحكمة في تأخير الشمس غير هذه، ويأتي إن شاء الله تعالى الكلام على ما قيل في الرؤية قريبًا.
وقوله: "فإن استطعتم أن لا تغلبوا" فيه إشارة إلى قطع أسباب الغلبة المنافية للاستطاعة، كالنوم والشغل، ومقاومة ذلك بالاستعداد له. وقوله: "فافعلوا"، أي: عدم الغلبة، وهو كناية عما ذكر من الاستعداد، وذلك كناية عن الإتيان بالصلاة، لأنه لازم الإتيان، فكأنّه قال: فأتوا بالصلاة فاعلين لها. وفي رواية شعبة المتقدمة: "فلا تغفلوا عن صلاة ... " الحديث.
وقوله: "قبل طلوع الشمس وقبل غروبها"، زاد مسلم: "يعني العصر والفجر" ولابن مردويه عن إسماعيل: "قبل طلوع الشمس صلاة الصبح، وقبل غروبها صلاة العصر"، قال ابن بطال: قال المهلب: قوله: "فإن استطعتم أن لا تُغلبوا عن صلاة"، أي: في جماعة. قال: وخص هذين الوقتين لاجتماع الملائكة فيهما، ورفْعهم أعمال العباد لئلا يفوتهم هذا الفضل العظيم، وبهذا