لاحتمال أن يكون ذلك في زمن البرد، أو قبل الأمر بالإبراد، أو عند فقد شروط الإبراد، لأنه يختص بشدة الحرّ، أو لبيان الجواز. وقد يتمسك بظاهره من قال إن فضيلة أول الوقت لا تحصل إلا بتقديم ما يمكن تقديمه، من طهارة وستر عورة وغيرهما، قبل دخول الوقت. ولكن الذي يظهر أن المراد بالحديث التقريب، فتحصل الفضيلة لمن لم يتشاغل عند دخول الوقت بغير أسباب الصلاة.
وقوله: "إلى رَحله" بفتح الراء وسكون المهملة، أي: مسكنه. وقوله: والشمس حية، تقدم معناه عند ذكره أولًا في باب وقت الظهر عند الزوال. وقوله: "أن يؤخر من العشاء"، أي: من وقت العشاء. قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على استحباب التأخير قليلًا، لأن التبعيض يدل عليه. وتعقب بأنه بعض مطلق لا يدل على قلة ولا كثرة. ويأتي في باب "وقت العشاء" عن جابر أن التأخير إنما كان لانتظار من يجيء لشهود الجماعة، ويأتي الكلام عليها هناك. وقوله: "التي تدعونها العتمة"، فيه إشارة إلى ترك تسميتها بذلك، وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد. قال الطيبيّ: لعل تقييده الظهر والعشاء دون غيرهما للاهتمام بشأنهما، فتسمية الظهر بالأولى يشعر بتقديمها، وتسمية العشاء بالعَتمة يشعر بتأخيرها. وسيأتي إن شاء الله تعالى ما قيل فيها من التأخير في بابها.
وقوله: "وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، قال التِّرمذيّ: كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء، ورخص بعضهم فيه في رمضان خاصة، ومن نقلت عنه الرخصة، قيدت عنه في أكثر الروايات، بما إذا كان له من يوقظه، أو عرف من عادته أنه لا يستغرق وقت الاختيار بالنوم، وهذا أجوب، حيث قلنا إن علته النهي خوف خروج الوقت، وحمل الطحاويّ الرخصة على ما قبل دخول وقت العشاء، والكراهة على ما بعد دخوله. وقيل: إن الكراهة مختصة بمن تعاطى ذلك اختيارًا، وقيل: ذلك مستفاد من ترك إنكاره صلى الله تعالى عليه وسلم على من رقد من الذين كانوا ينتظرون خروجه لصلاة العشاء. ولو قيل بالفرق بين من غلبه النوم، وهو في مثل هذه الحالة، وبين من غلبه وهو في منزله