مثلًا، لكان متجهًا. وإنما كره الحديث بعدها لأن السهر في الليل سبب للكسل من النوم عما يتوجه من حقوق النوم، والطاعات ومصالح الدين، فقد يؤدي إلى النوم عن الصبح، أو عن وقتها المختار، أو عن قيام الليل.
وكان عمر بن الخطاب يضرب الناس على ذلك ويقول: أسَمَرًا أوَّل الليل، ونومًا آخره. واذا تقرر أن علة النهي ذلك، فقد يفرق فارق بين الليالي الطوال والقصار، ويمكن أن تحمل الكراهة على الإِطلاق حسمًا للمادة، لأن الشيء إذا شرع لكونه مظنة قد يستمر فيصير مَئنة، وقد قالوا: المكروه منه ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها، أما ما فيه مصلحة وخير، فلا كراهة فيه، وذلك كمدارسة العلم، وحكايات الصالحين، ومحادثة الضيف والعروس للتأنيس، ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة، ومحادثة المسافرين لحفظ متاعهم وأنفسهم، والحديث في الإصلاح بين الناس والشفاعة إليهم في خير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإرشاد إلى مصلحة، فكل هذا لا كراهة فيه.
وقوله: "وكان ينفتل"، أي: ينصرف من الصلاة، أو يلتفت إلى المأمومين. وقوله: "من صلاة الغداة"، أي: الصبح، وفيه أنه لا كراهة في تسمية الصبح في ذلك. وقوله: حين يعرف الرجل جليسه، إلخ، تقدم الكلام على ما فيه عند ذكر الحديث في باب "وقت الظهر عند الزوال".
الأول: محمد بن مقاتل، وقد مرَّ في السابع من العلم، ومرّ عبد الله بن المبارك في السادس من الوحي، ومرّ عوف الأعرابي في الأربعين من الإيمان، ومرّ سيار بن سلامة وأبو برزة في الثامن من هذا الكتاب.
السادس: سلامة أبو سيار، ولم يذكره تهذيب التهذيب في رجاله الستة، مع أنه هو السائل هنا في هذا الحديث لأبي برزة، ولكن المروي عنه ولده لا هو، ولم أر من ترجمه، ووقعت لابنه عنه رواية في الطبراني الكبير، في ذكر الحوض.