ووقوع البأس بينهم إلى يوم القيامة، ويأتي في الاعتصام حديث جابر في قوله تعالى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} الآية.

وقد وافق حذيفة على روايته هذه أبو ذَرٍّ، فروى الطبرانيّ بإسنادٍ رجاله ثقات أنه لقي عمر، فأخذ بيده فغمزها، فقال له أبو ذرٍّ: أرسل يدي يا قُفْل الفتنة ... الحديث، وفيه أن أبا ذَرٍّ، قال: لا تصيبنَّكم فتنة ما دام فيكم، وأشار إلى عمر، وروى البزار عن قُدامة بن مظعون، عن أخيه عثمان أنه قال لعمر: يا غَلَق الفتنة. فسأله عن ذلك، فقال: مررت ونحن جلوس عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: "هذا غَلَق الفتنة، لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغَلَق ما عاش". وقوله: "قلنا: أكان عمر يعلم الباب؟ " هذا مقول شقيق. وقوله: "كما أن دون الغد الليلة"، أي: أن علمه به كعلمه بان ليلة غد أقرب إلى اليوم من الغد.

وقوله: إني حدثته بحديث ليس بالأغاليط، هذا بقية كلام حذيفة، والأغاليط جمع أُغلوطة بضم الهمزة، وهو ما يغالط به، أي: حدثته حديثًا صدقه محققًا من حديث النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم، لا عن اجتهاد ولا رأي. وقال ابن بطال: إنما علم عمر أنه الباب، لأنه كان مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على حراء وأحد، هو وأبو بكر وعثمان، فرجف الجبل، فقال: أثبت فإنما عليك نبي وصدِّيق وشهيدان. أو فهم ذلك من قول حُذيفة: "بل يكسر" والذي يظهر أن عمر علم الباب بالنص، كما مرَّ عن عثمان بن مظعون وأبي ذَرٍّ، فلعل حذيفة حضر ذلك، ويأتي إن شاء الله تعالى في بدء الخلق حديث "أنه سمع خطبة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يحدث عن بدء الخلق، حتى دخل أهل الجنة منازلهم"، ويأتي في علامات النبوة عن حذيفة "أنه قال: أنا أعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة"، وفيه أنه سمع ذلك معه من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم جماعة ماتوا قبله، فإن قيل: إذا كان عمر عارفًا بذلك فَلِمَ شكَّ فيه حتى سأل عنه؟ فالجواب أن ذلك يقع مثله من شدة الخوف، أو لعله خشي أن يكون قد نسي، فسأل من يذكِّره، وهذا هو المعتمد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015