وقوله: "ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين"، زاد في رواية ربعي: "تعرض الفتن على القلوب فأيّ قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى يصير أبيض مثل الصفاة، لا تضره فتنة، وأي قلب أُشرِبَها نكتت فيه نكتة سوداءَ، حتى يصير أسود كالكُوز منكوسًا لا يعرف معروفًا، ولا يُنكر منكرًا". وقوله: "إن بينك وبينها بابًا مغلقًا"، أي: لا يخرج منها شيء في حياتك. قال ابن المنير: آثر حذيفة الحرص على حفظ السر، ولم يصرح لعمر بما سأل عنه، وإنما كنى عنه كناية، وكأنَّه كان مأذونًا له في مثل ذلك.

وقال النووي: يحتمل أن يكون حذيفة علم أن عمر يقتل، لكنه كره أن يخاطبه بالقتل؛ لأن عمر كان يعلم أنه الباب، فأتى بعبارة يحصل بها المقصود بغير تصريح بالقتل، ولكن في لفظ رواية ربعيّ ما يعكر على ذلك، ففيها: "وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت"، فكأنه مثَّل الفتن بدار، ومثَّل حياة عمر بباب لها مغلق، ومثَّل موته بفتح ذلك الباب، فما دامت حياة عمر موجودة فهي الباب المغلق، لا يخرج مما هو داخل تلك الدار شيء، فإذا مات فقد انفتح ذلك الباب، فخرج ما في تلك الدار.

وقوله: "مغلقًا"، من أغلق الرباعيّ، ويقال: غلّق، بتشديد اللام، وفي لغة رديئة: غَلَقَ بالتخفيف. وقوله: "قال: إذًا لا يُغلق أبدًا"، وفي رواية علامات النبوة، قال: "ذلك أحرى أن لا يغلق"، وفي الصيام: "ذلك أجدر أن لا يغلق إلى يوم القيامة"، وإذًا حرف ناصب، ولا يغلق منصوب به، لوجود ما اشترط في عملها، وهو التصدير، وكون الفعل مستقبلًا واتصاله بها. وانفصاله عنها بالقسم أو بلا النافية، لا يبطل عملها. وفي كتابتها بالنون خلاف، وللكشميهنيّ: لا يغلق بالرفع، بتقدير الباب لا يغلق، أو: هو لا يغلق. قال ابن بطال: إنما قال ذلك لأن العادة أن الغلق إنما يقع في الصحيح، فاما إذا انكسر فلا يتصور غلقه حتى يجبر، ويحتمل أن يكون كنى عن الموت بالفتح، وعن القتل بالكسر، ولهذا قال في رواية رِبعيّ: قال عمر: كسرًا لا أبا لك، وإنما قال عمر ذلك اعتمادًا على ما عنده من النصوص الصريحة في وقوع الفتن في هذه الأمة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015