للفتنة في الأهل، والصوم في الولد، وتخصيص الصلاة وما ذكر معها بالتكفير دون سائر العبادات، فيه إشارة إلى تعظيم قدرها، لا نفي أن غيرها من الحسنات ليس فيها صلاحية التكفير، ثم إن التكفير المذكور يحتمل أن يقع بنفس الحسنات المذكورة، ويحتمل أن يقع بالموازنة، والأول أظهر.
وقال ابن أبي جمرة: خص الرجل بالذكر، لأنه في الغالب صاحب الحكم في داره وأهله، وإلا فالنساء شقائق الرجال في الحكم، ثم أشار إلى أن التكفير لا يختص بالأربع المذكورات، بل نبه بها على ما عداها، والضابط أن كل ما يشغل صاحبه عن الله فهو فتنة له، وكذلك المكفرات لا تختص بما ذكر، وإنما حصل التعيين لهذه الخمس، لأن الحقوق في الأبدان والأموال والأقوال، فنبه بالمذكورات على ما عداها، فذكر من أفعال الأبدان أعلاها وهو الصلاة والصوم. قال الله تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}، وذكر من حقوق المال أعلاها، وهي الصدقة، ومن الأقوال أعلاها، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستشكل ابن أبي جمرة وقوع التكفير بالمذكورات للوقوع في الحرمات، والإخلال بالواجب؛ لأن الطاعات لا تسقط ذلك، فإن حمل على الوقوع في المكروه والإخلال بالمستحب لم يناسب إطلاق التكفير، والجواب التزام الأول، وأن الممتنع من تكفير الحرام والواجب ما كان كبيرة، فهي التي فيها النزاع، وأما الصغائر، فلا نزاع أنها تكفِّر، لقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}.
وقوله: "الأمر والنهي"، أي: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، كما صرح به في الزكاة. وقوله: "ولكن الفتنة"، بالنصب بتقدير أريد، وبالرفع بتقدير مرادي الفتنة. وقوله: "تموج كموج البحر"، أي: تضطرب اضطراب البحر عند هيجانه، وكنى بذلك عن شدة المخاصمة، وكثرة المنازعة، وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة.