ذلك غُرباء، وزَكَتْ أعمالهم في ذلك الزمان كما زَكَتْ أعمالُ أولئك.
ويشهد له ما رواه مسلم عن أبي هريرة مرفوعًا: "بَدَأَ الإِسلامُ غريبًا وسيعودُ غريبًا كما بَدَأَ فطوبى للغرباءِ".
واحتج بما روي أيضًا من أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة كتب إلى سالم بن عبد الله أن اكتب لي بسيرة عمر بن الخطاب لأعمل بها، فكتب إليه سالم: "إن عَمِلْتَ بسيرةِ عُمر فأنتَ أَفْضَلُ من عمر، لأن زمانَكَ ليس كزمانِ عُمر، ولا رِجالَكَ كرجال عُمر". وكتب إلى فقهاء زمانه، فكلهم كتب بمثل قول سالم.
قلت: وجه الاحتجاج لكلام سالم ومن معه هو أنهم قالوا له: "لَوْ عَمِلْتَ بعَمَلِ عُمر كنتَ خيرًا منه". فدل على أن العامل بخير من عمل الصحابي أو بمثله يكون خيرًا منه.
واحتج بما رواه أبو داود، والترمذي من حديث أبي ثَعْلَبَةَ رفعه: "تَأْتي أيامٌ للعامل فيها أجرُ خمسين". قيل: منهم أو منا يا رسول الله؟ قال: "بل منكم" وهو شاهد لحديث: "مَثَلُ أُمّتي مَثَلُ المطر". هذا ما أورده من الاحتجاج، ثم قال: فهذه الأحاديث تقتضي مع تواتر طرقها وحسنها التسوية بين أول هذه الأمة وآخرها في فضل العمل لا أهل بدر والحُدَيْبِيَة.
قال في "الفتح": صرَّحَ ابن عَبد البَرِّ في كلامه باستثناء أهل بدر والحُدَيْبيَة، فليس كلامه على الإطلاق في حقِّ جميع الصحابة، والذي ذهب إلَيه الجمهور أن فضيلة الصحبة لا يَعْدِلُها عمل لمشاهدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأما من اتفق له الذب والسبق إليه بالهجرة أو النصرة وضبط الشرع المُتَلَقَّى عنه، وتبليغه لمن بعده، فإنه لا يعدِلُه أحدٌ ممن يأتي بعده، لأنه ما من خَصْلَةٍ من الخِصال المذكورة إلا وللذي سبق مثل أجر من عمل بها من بعده فظهر فضلهم.
ومحصل النزاع يَتَمَحَّضُ فيمن لم يحصل له إلا مجرد المشاهدة كما تقدم، فإن جمع بين مختلف الأحاديث المذكورة كان متجهًا على أن