وقد جمع قرنه، عليه الصلاة والسلام، جماعة من المنافقين المظهرين للإيمان، وأهل الكبائر الذين أقام عليهم، أو على بعضهم الحدود.

واحتج بما رواه أبو أمامة أنه، عليه الصلاة والسلام، قال: "طُوبَى لِمَنْ رآني وآمَن بي، وطُوبى سَبْعَ مَرّاتٍ لِمَنْ لم يَرَني وآمن بي". وبحديث: "مَثَلُ أُمّتي مثلُ المَطر لا يُدْرى أولهُ خيرٌ أم آخرُه". قال في "الفتح": وهو حديث حسن، له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة، وأغرب النَّوَوِيُّ فعزاه في "فتاويه" إلى "مسند" أبي يعلى بسند ضعيف، عن أنس، مع أنه عند الترمذي بإسناد أقوى منه من حديث أنس، وصححه ابن حبان من حديث عمار.

وقد روى ابن أبي شَيْبَةَ من حديث عبد الرحمن بن جُبَير بن نُفَير -أحد التابعين- بإسناد حسن، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيُدْرِكَنَّ المَسِيحُ أقوامًا إنهم لَمِثْلُكُم أو خيرٌ ثلاثًا".

واحتج أيضًا بحديث عمر في "مسند" أبي داود الطَّيالِسيِّ، قال: كنت جالسًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أتدرون أيُّ الخلق أفضل إيمانًا؟ " قلنا: الملائكة، قال: "وحُقَّ لهم بل غيرهم" قلنا: الأنبياء، قال: "وحُقَّ لهم بل غَيرهم" ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الخلق إيمانًا قومٌ في أصلاب الرجال، يؤمنون بي ولم يَرَوْني، فهم أفضل الخلق إيمانًا". وإسناده ضعيف فلا يحتج به، لكن روى أحمد، والدارمي، والطَّبرَاني، عن أبي عُبيدة بن الجَرّاح: يا رسول الله أأحدٌ منا؟ أسلَمنا معك وجاهدنا معك؟ قال: "قومٌ يكونُونَ مِنْ بعدكم، يؤمنون بي ولم يَرَوْني". وإسناده حسن، وقد صححه الحاكم.

واحتج أيضًا بأن السبب في كون القرن الأول خير القرون أنهم كانوا غُرباء في إيمانهم، لكثرة الكفار حينئذ، وصبرهم على أذاهم، وتمسكهم بدينهم، قال: فكذلك أواخرهم إذا أقاموا الدين، وتمسكوا به، وصبروا على الطاعة حين ظهور المعاصي والفتن. كانوا أيضًا عند

طور بواسطة نورين ميديا © 2015