بالصلاة أدبر الشيطان، فإذا قضى التثوثيب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه" وسيأتي أيضًا حديث "إن الشيطان عرض لي فشد عليَّ ... " الحديث، وللنسائي عن عائشة "فأَخَذْتُه فصرعته فخنقته" ولا يقال قد ذكر في هذا الحديث أنه جاء ليقطع صلاته؛ لأنا نقول قد بين في رواية مسلم سبب القطع، وهو أنه جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهه، وأما مجرد المرور فحصل، ولم تفسد به.

والثاني أن حديث القطع منسوخ بحديث "لا يقطع الصلاة شيء" رواه مالك في الموطأ وأبو داود والدارقطنيّ وغيرهم، وبصلاة الشارح عليه الصلاة والسلام، وبينه وبين القبلة عائشة، رضي الله تعالى عنها، وبكون الأتان ترتع بين يديه، ولم ينكره أحد، لكن تُعُقب هذا بأنّ النَّسخ لا يصار إليه إلَّا إذا علم التاريخ وتعذر الجمع، والتاريخ هنا لم يتحقق، والجمع لم يتعذر كما مرّ، وذهب ابن عباس وعطاء إلى أن المرأة التي تقطع الصلاة هي الحائض، وَرُدَّ بأنه جاء في حديث عائشة هذا قال شعبة "وأحسبها قالت: وأنا حائض".

ونازع بعضهم في الاستدلال بحديث عائشة من أوجه:

أحدها أن العلة في قطع الصلاة بها ما يحصل من التشويش، وقد قالت إن البيوت يومئذ ليس فيها مصابيح، فانتفى المعلول بانتفاء علته.

ثانيها أن المرأة في حديث أبي ذَرٍّ مُطلقة، وفي حديث عائشة مقيدة بكونها زوجته، فيحمل المطْلق على المقيد، ويقال بتقيد القطع بالأجنبية لخشية الافتتان بها؛ بخلاف الزوجة، فإنها حاصلة.

ثالثها أن حديث عائشة واقعة عين يتطرق إليها الاحتمال، بخلاف حديث أبي ذَرٍّ، فإنه مَسوقٌ مساق التشريع العام. وأشار ابن بطال إلى أن ذلك كان من خصائصه -صلى الله عليه وسلم-، لأنه يقدر من مَلْكِ إرْبه ما لا يقدر عليه غيره.

وقال بعض الحنابلة: يعارض حديث أبي ذرٍّ وما وافقه أحاديثُ صحيحة غير صريحة، وأحاديث صريحة غير صحيحة، فلا يترك العمل بحديث أبي ذر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015