والجواز لا ينافي الاستحباب، فيحمل أمره الأخير بأن يصلوا قعودًا على الاستحباب؛ لأن الوجوب قد رفع بتقريره لهم، وتَرْك أمرهم بالإعادة، هذا مقتضى الجمع بين الأدلة، وبالله تعالى التوفيق.

وقوله: إذا ركع فاركعوا، قال ابن المنير: مقتضاه إن ركوع المأموم فيه بعد أن يشرع، وفي رواية هشام في الطب "وإذا رفع فارفعوا، وإذا سجد فاسجدوا" وهو يتناول الرفع من الركوع، والرفع من السجود، وجميع السجدات. وزاد مسلم عن أبي هريرة بعد قوله " ليؤتم به فلا يختلفوا عليه" وأفادت هذه الزيادة أن الأمر بالاتباع يعم جميع المأمومين، ولا يكفي في تحصيل الائتمام اتباع بعض دون بعض، ولمسلم عنه أيضًا "لا تبادر الإِمام، إذا كبر فكبروا" وهي زيادة حسنة تنفي احتمال إرادة المقارنة من قوله "إذا كبر فكبروا" المتقدم عن أبي حنيفة القولُ به، وقد مرّ أن الفاء في قوله "فكبروا" للتعقب. ومقتضاه الأمر بأن أفعال المأموم تقع عقب فعل الإِمام، لكن تعقب بأن الفاء التي للتعقب هي العاطفة، وأما التي هنا فهي للربط فقط؛ لأنها وقعت جوابًا، فعلى هذا لا تقتضي تأخر أفعال المأمومين عن الإِمام إلَّا على القول بتقدم الشرط على الجزاء. وقد قال قوم: إن الجزاء يقع مع الشرط، وعليه لا تنتفي المقارنة، لكن الرواية المتقدمة صريحة في انتفاء التقدم والتأخر.

وقوله: ونزل لتسع وعشرين، أي نزل من المشربة التي كان معتزلًا فيها. واختلف الحديث في سبب الاعتزال، فأخرج مسلم عن جابر قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... الحديث في قوله -صلى الله عليه وسلم- "هن حولي كما ترى يسألنني النفقة" يعني فساءه. وأخرج البخاريّ وغيره عن عمر في قصة المرأتين اللتين تظاهرتا حين أفشته حفصة إلى عائشة، وكان قد قال: ما أنا بداخل عليهن شهراً من شدة موجِدَته عليهن ... إلخ، ويمكن الجمع بين الحديثين بأن القضيتين جميعًا سبب الاعتزال، فإن قصة المتظاهرتين خاصة بهما، وقصة سؤال النفقة عامة في جميع النسوة. ومناسبة آية التخيير بقصة سؤال النفقة أليق منها بقصة المتظاهرتين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015