عن أبي الزبير عن جابر قال "اشتكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يُسمع الناس تكبيره، قال: فالتفت إلينا فرآنا قيامًا، فأشار إلينا فقعدنا، فلما سلم قال: إن كدتم لتفعلون فعل فارس والروم ... إلخ" الحديث المار، لكن هذا لم يكن في مرض موته، وإنما كان ذلك حيث سقط عن الفرس.
كما أخرجه أبو داود وابن خزيمة بإسناد صحيح عن أبي سفيان عن جابر قال "ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرسًا بالمدينة، فصرعه على جذع نخلة، فانفكت قدمه ... " الحديث، وعلى هذا فلا حجة لما ادعاه، إلَّا أنه تمسك بقوله في رواية أبي الزبير "وأبو بكر يُسمع الناس التكبير" وقال: إن ذلك لم يكن إلَّا في مرض موته؛ لأن صلاته في مرضه الأول كانت في مشربة عائشة، ومعه نفر من أصحابه لا يحتاجون إلى من يُسمعهم تكبيره، بخلاف صلاته في مرض موته، فإنها كانت في المسجد، في جمع كثير من الصحابة، فاحتاج أبو بكر أن يسمعهم التكبير، ولا راحة له فيما تمسك به؛ لأن إسماع التكبير لم يتابِع أبا الزبير عليه أحدٌ، وعلى تقدير أنه حفظه، فلا مانع أن يُسمعهم أبو بكر التكبير في تلك الحالة؛ لأنه يحمل على أن صوته عليه الصلاة والسلام كان خفيًا من الوجع، وكان من عادته الجهر بالتكبير، فكان أبو بكر يجهر عنه بالتكبير لذلك.
قلت: وفي البيت من يصلي بصلاته -صلى الله عليه وسلم-، فيحتاج إلى الإِسماع، ووراء هذا كله أنه أمر محتمل، لا يترك لأجله الخبر الصريح أنهم صلوا قيامًا، كما تقدم في مرسل عطاء وغيره، بل في مرسل عطاء أنهم استمروا قيامًا إلى أن انقضت الصلاة، لكن في مرسل عطاء المذكور متصلًا به بعد قوله "وصلى الناس بعده قيامًا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لو استقبلتُ من أمري ما استدبرت، ما صليتم إلَّا قعودًا، فصلوا صلاة إمامكم ما كان، إن صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا" وهذه الزيادة تقوّي ما قال ابن حبّان: إن هذه القصة كانت في مرض موته عليه الصلاة والسلام. ويستفاد منها نسخ الأمر بوجوب صلاة المأمومين قُعودًا إذا صلى إمامهم قاعدًا؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم يأمرهم في هذه المرة الأخيرة بالإِعادة، لكن إذا نسخ الوجوب بقي الجواز،