بأن هذا منسوخ. كلما قال البخاريّ عن شيخه الحميدي: قوله: إذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا هو في مرضه القديم، ثم صلى بعد ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- جالسًا والناس خلفه قيام، لم يأمرهم بالقعود، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإقراره للصحابة على القيام خلفه وهو قاعد كافٍ في النسخ، وقد قرره الشافعي بهذا، لكن هذا على ما في حديث عائشة من أنه "عليه الصلاة والسلام كان إمامًا وأبو بكر مأمومًا" وقد ورد العكس، كما أخرجه الترمذي والنّسائيّ، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، عن مسروق عن عائشة قالت "صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي توفي فيه خلف أبي بكر قاعدًا" وأخرجه النَّسائيّ أيضًا عن أنس قال "آخر صلاة صلاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع القوم صلى في ثوب واحد متوشحًا خلف أبي بكر رضي الله تعالى عنه" ولكن ما في الصحيح أقوى.
وقد جمع العلماء بينهما، فقال البيهقيّ في المعرفة: ولا تعارض بين الحديثين، فإن الصلاة التي كان فيها النبي عليه الصلاة والسلام إمامًا هي صلاة الظهر يوم السبت أو الأحد، والتي كان فيها مأمومًا هي صلاة الصبح من يوم الإثنين، وهي آخر صلاة صلاها عليه الصلاة والسلام حتى خرج من الدنيا. قال: وهذا لا يخالف ما ثبت عن أنس في صلاتهم يوم الإثنين، وكشفه -صلى الله عليه وسلم- الستر ثم إرخائه، فإن ذلك إنما كان في الركعة الأولى، ثم إنه عليه الصلاة والسلام وجد خفة في نفسه، فخرج فأدرك معه الركعة الثانية.
قلت: وهذا الجمع يرجح أن آخر صلاة له كان مأمومًا لا إمامًا، وأجابوا أيضًا بأن المراد بقوله "وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا" الأمر بالاقتداء به في جلوسه في التشهد وبين السجدتين؛ لأنه ذكر ذلك عقب الركوع والرفع منه والسجود، فيحمل على أنه لما جلس للتشهد قاموا تعظيمًا له، فأمرهم بالجلوس تواضعًا، وقد نبه على ذلك بقوله في حديث جابر عند مسلم "إنْ كدتم أنْ تفعلوا فعل فارس والروم؛ يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا" وتعقبه ابن دقيق العيد وغيره بالاستبعاد، وبأن سياق طرق الحديث تأباه، وبأنه لو كان المراد الأمر بالجلوس في الركن لقال "وإذا جلس فاجلسوا" ليناسب قوله "وإذا سجد