فاسجدوا" فلما عدل عن ذلك إلى قوله "وإذا صلى جالسًا" كان كقوله "وإذا صلى قائمًا" فالمراد بذلك جميع الصلاة. ويؤيد ذلك قول أنس "فصلينا وراءه قعودًا" وأنكر أحمد القائل بجواز صلاة القادر جالسًا خلف المصلي جالسًا عجزًا، ومن حقه نسخ الأمر المذكور بذلك، وجمعوا بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين؛ إحداهما: إذا ابتدأ الإِمام الراتبُ الصلاةَ قاعدًا لمرضٍ يرجى برؤه، فحينئذ يصلون خلفه قعودًا. ثانيهما: إذا ابتدأ الإِمام الراتبُ قائمًا لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قيامًا، سواء طرأ ما يقتضي صلاة إمامهم قاعدًا أم لا، كما في الأحاديث التي في مرض موته -صلى الله عليه وسلم-، فإن تصديره لهم على القيام، دل على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة؛ لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة بهم قائمًا، وصلوا معه قيامًا، بخلاف الحالة الأولى، فإنه -صلى الله عليه وسلم- ابتدأ الصلاة جالسًا، فلما صلوا خلفه قيامًا أنكر عليهم.

ويقوي هذا الجمعَ أن الأصل عدم النسخ، لاسيما وهو في هذه الحالة يستدعي دعوى النسخ مرتين؛ لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصل قاعدًا، وقد نسخ إلى القعود في حق من صلى إمامه قاعداً، فدعوى نسخ القعود بعد ذلك تقتضي وقوع النسخ مرتين، وهو بعيد. وقد قال بقول أحمد جماعةٌ من محدِّثي الشافعية، كابن خُزيمة وابن المنذر وابن حبّان، وأجابوا عما ورد عن عائشة وأنس، من الأمر بالجلوس، بأجوبة منها قول ابن خزيمة: إن الأحاديث التي وردت بأمر المأموم أن يصلي قاعدًا تبعًا لإِمامه، لم يُختلف في صحتها ولا في سياقها، وأما صلاته -صلى الله عليه وسلم- قاعدًا، فاختُلف فيها هل كان إمامًا أو مأمومًا. قال: وما لم يُختلف فيه لا ينبغي تركه لمختَلَف فيه. وأُجيبَ بدفع الاختلاف، والحمل على أنه كان إمامًا مرة ومأمومًا أخرى.

ومنها أن بعضهم جمع بين القضيتين بأن الأمر بالجلوس كان للندب، وتقريره قيامهم خلفه كان لبيان الجواز، فعلى هذا مَن أمّ قاعدًا لعذر، تخيّر من صلّى خلفه بين القعود والقيام، والقعود أَوْلى لثبوت الأمر بالائتمام والاتباع، وكثرة الأحاديث الواردة في ذلك. وأجاب ابن خزيمة عن استبعاد من استبعد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015