فيه، والمشهور فيه المنع وهو أربعة أشياء: لبسه في الجهاد لإرهاب العدو، أو للاتكاء عليه، والارتفاق، أو للافتراش أو للحكة، وقد أخرج البخاري أنه عليه الصلاة والسلام رخص للزبير وعبد الرحمن بن عوف في لبس الحرير لحكة بهما. وقال الطبري: فيه دلالة على أن النهي عن لبس الحرير لا يدخل فيه من كانت به علة يخففها لبسُ الحرير، ويلتحق بذلك ما يقي من الحر والبرد، حيث لا يوجد غيره، وخص بعض الشافعية الجوازَ بالسفر دون الحضر، واختاره ابن الصلاح، وخصه النوويّ في "الروضة" مع ذلك بالحكة، ونقله الرافعي في القمل أيضًا.
وفي وجه للشافعية أن الرخصة خاصة بالزبير وعبد الرحمن، وأما الافتراش فقد أخرج فيه البخاريّ عن حذيفة "نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه" وأخرج ابن وهب في جامعه عن سعد بن أبي وقاص "لأن أجلس على جمر الغَضا أحبُّ إليّ من أن أقعد على مجلس من حرير" والحديث حجة قوية لمن قال يمنع الجلوس على الحرير. وهو قول الجمهور خلافًا لابن الماجشون والكوفيين وبعض الشافعية. وبه قال الحنفية، وأجاب الحنفية عن الحديث بأن لفظ "نهى" ليس صريحًا في التحريم، وبعضهم باحتمال أن يكون النهي ورد عن مجموع اللبس والجلوس، لا عن الجلوس بمفرده.
واستدل الجمهور بحديث أنس "فقمت إلى حصير لنا قد اسودَّ من طول ما لبس، ولأن ليس كل شيء بحسبه" واستدل بالحديث المذكور على منع افتراش النساء للحرير، وهو ضعيف؛ لأن خطاب الذكور لا يتناول المؤنث على الراجح، ولعل الذي قال بالمنع تمسك فيه بالقياس على منع استعمالهن آنية الذهب، مع جواز لبسهن الحلي منه، فكذلك يجوز لبسهن الحرير، ويمنعن من استعماله، وهذا الوجه صححه الرافعيّ، وصحح النوويُّ الجواز، واستدل به أيضًا على منع افتراش الرجل الحرير مع امرأته في فراشها، ووجهه المجيز لذلك من المالكية بأن المرأة فراش الرجل، فلَما جاز له أن يفترشها وعليها