أخرجه مسلم "فرضت الصلاة في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين" واستدلت الحنفية بهذا الحديث كما يأتي قريبًا.
وألزموا الحنفية على قاعدتهم فيما إذا عارض رأي الصحابيّ روايته، بأنهم يقولون العبرة بما رأى لا بما رَوى. وخالفوا ذلك هنا، فقد ثبت عن عائشة أنها كانت تتم في السفر، فدل ذلك على أن المروي عنها غير ثابت، أو تؤول الزيادة في قولها "وزيد في صلاة الحضر" في عدد الصلوات حتى بلغت خمسًا لا في عدد الركعات، ويكون قولها: فرضت الصلاة ركعتين، قبل الإسراء، فإنها كانت قبل الإسراء صلاة قبل المغرب، وصلاة قبل طلوع الشمس. ويشهد له قوله تعالى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَار} [غافر: 55]. ويأتي قريبًا في فرض شيء قبل الإسراء، وقد مرَّ بعض من ذلك في حديث الإسراء. والجواب عن الحنفية في الإلزام المذكور أن عروة الراوي عنها قال، لما سئل عن إتمامها في السفر: إنها تأولت كما تأول عثمان، فعلى هذا لا تعارض بين روايتها ورأيها، وروايتها صحيحة، ورأيها مَبْنيّ على ما تأولت. واحتج الحنفية أيضًا بما رواه مسلم عن ابن عباس قال "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربع ركعات، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة" وتظهر فائدة الخلاف فيما أتم المسافر يكون الشفع الثاني فرضًا عند غير الحنفية، لأنّ الوقت سبب للأربع، والسفر سبب للقصر، فيختار أيها شاء، ويكون عندهم نقلًا.
ويمكن الجمع بين الأدلة بأن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلَّا المغرب، ثم زيدت بعد الهجرة عقب الهجرة إلا الصبح، كما روى ابن خُزيمة وابن حبّان والبَيْهقيّ عن عائشة قالت: "فرضت صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين، فلما قدم -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ، واطمأنَّ زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان، وتركت صلاة الفجر لطول القراءة، وصلاة المغرب لأنها وتر النهار". ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول الآية السابقة، وهي قوله تعالى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101]. ويؤيد ذلك ما ذكره ابن الأثير في شرح المسند أن قصر الصلاة