حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: "فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاَةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلاَةِ الْحَضَرِ".
قوله: ركعتين ركعتين، كررت لفظ ركعتين لتفيد عموم التثنية لكل صلاة، وزاد ابن إسحاق عن صالح بن كيسان: إلَّا المغرب، فإنها كانت ثلاثًا. أخرجه أحمد من طريقه، وللمصنف في كتاب الهجرة عن الزُّهري عن عُروة عنها قالت: فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ففرضت أربعًا. فعين في هذه الرواية أن الزيادة في قوله هنا، وزيد في صلاة الحضر وقعت بالمدينة، وأخذ الحنفية بظاهر هذا الحديث، وبنوا عليه أن القصر في السفر عزيمة لا رخصة، فلا يجوز الإتمام، إذ ظاهر قولها "أقرت" يقتضيه، واحتج مخالفوهم بقوله تعالى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101] لأن نفي الجُناح لا يدل على العزيمة، والقصر إنما يكون من شيء أطول منه، وبحديث "صدقة تصدق الله بها عليكم" رواه مسلم.
وأجابوا عن حديث الباب بأنه من قول عائشة غير مرفوع، وبانها لم تشهد زمان فرض الصلاة، وبأنه لو كان ثابتًا لنقل متواترًا، وفي هذا كله نظر، أما أولًا فإنه مما لا مجال للرأي فيه، فله حكم الرفع. وأما ثانيًا فعلى تقدير تسليم أنها لم تدرك القصة يكون مرسل صحابيّ، وهو حجة، لأنه يحتمل أن تكون أخذته عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عن صحابيّ آخر أدرك ذلك. وأما ثالثًا فإن التواتر في مثل هذا غير لازم، وأجابوا أيضًا بأن حديثها يعارضه حديث ابن عباس.