اعتمدت الاستنباط على ما ذكرته ما ظاهر الآية، وقد خالفها غيرها من الصحابة، والصحابيّ إذا قال قولًا وخالفه غيره منهم لم يكن ذلك القول حجة اتفاقًا. والمراد بالإدراك في الآية الإحاطة، وذلك لا ينافي الرؤية.
وتبع في جزمه بأن عائشة لم تنف الرؤية بحديث مرفوع ابن خزيمة، فإنه قال في كتاب التوحيد، من صحيحه: النفي لا يوجب علمًا، ولم تحك عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرها أنه لم ير ربه، وإنما تأولت الآية، وهذا عجيب منها، فقد ثبت ذلك في صحيح مسلم عن مسروق في الطريق المذكورة، قال مسروق: وكنت متكئًا فجلست، وقلت: ألم يقل الله {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] فقالت: أنا أوّل هذه الأمّة سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: إنما هو جبريل، وأخرجه ابن مردويه عن داود بهذا الإسناد، فقالت: أنا أول من سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذا، فقلت: يا رسول الله، هل رأيت ربك؟ قال: لا، إنما رأيت جبريل منهبطًا.
نعم احتجاج عائشهَ بالآية المذكورة خالفها فيه ابن عباس، فقد أخرج الترمذيّ عن عكرمة عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه؟ قلت: أليس الله يقول {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] قال: ويحك، ذلك إذا تجلَّى بنوره الذي هو نوره، وقد رأى ربه مرتين، وحاصله أن المراد بالآية نفي الإحاطة به عند رؤياه، لا نفي أصل رؤياه، وإنما ساغ العدول عن ظاهر الآية، لصحة الأخبار بثبوت الرؤية.
وقال القرطبي: الأبصار في الآية جمع على بالألف واللام، فيقبل التخصيص، وقد ثبت دليل ذلك سمعًا في قوله تعالى {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] فيكون المراد الكفار، بدليل قوله في الآية الأخرى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23]. قال: وإذا جازت في الآخرة جازت في الدنيا، لتساوي الوقتين بالنسبة إلى المرثي، وهو استدلال جيّد. وقال عياض: رؤية الله سبحانه وتعالى جائز عقلًا، وثبتت الأخبار الصحيحة المشهورة بوقوعها للمؤمنين في الآخرة، وأما في الدنيا فقال