الحرام، وهذا وإن كان يمكن أن يكون مراد الآية، لكن الاعتماد في تفسيرها على ترجمان القرآن أولى.

قال في الفتح: جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة، وأخرى مقيدة، فيجب حمل مطلقها على مقيدها، يعني الأخبار المذكورة. وممن قال بإثبات الرؤية مع ابن عباس جميع أصحابه، ورواه عبد الرزاق عن الحسن أنه حلف أن محمدًا رأى ربه، وأخرج ابن خزيمة عن عُروة بن الزبير إثباتها، وأنه كان يشتد عليه إذا ذكر له إنكار عائشة، وجزم به كعب الأحبار والزُّهريّ وصاحبه معمر وآخرون، وهو قول الأشعري وغالب أتباعه.

واختلفوا هل رآه بعينه أو بقلبه، وعن أحمد كالقولين كما يأتي، وروى ابن خزيمة بإسناد قوي عن أنس أن محمدًا رآى ربه، وذهبت عائشة وابن مسعود إلى إنكارها، واختلف عن أبي ذرٍّ، أما عائشة فقد أخرج البخاريّ عن مسروق قال: قلت لعائشة رضي الله تعالى عنها: يا أُمتاه هل رأى محمد -صلى الله عليه وسلم- ربه؟ فقالت: لقد قَفّ شعري مما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثهن فقد كذب؟ من حدثك أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رأي ربه فقد كذب، ثم قرأت {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103] {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ... الخ} [الشورى: 51]. استدلت عائشة علي ما ذهبت إليه من نفي الرؤية بدليلين: الأول هو نفي الإدراك لله تعالى المذكور في الآية، جاعلة الإدراك والرؤية بمعنى، والدليل الثاني الآية الثانية، وتقرير الاستدلال بها هو أنه سبحانه وتعالى حصر تكليمه لغيره في ثلاثة أوجه، وهي الوحي بان يلقي في رَوعه ما يشاء، أويكلمه بواسطة من وراء حجاب، أو يرسل إليه رسولًا فيبلغه عنه، فيستلزم ذلك انتفاء الرؤية عنه حالة التكلم.

والجواب عن هذا أن ذلك لا يستلزم نفي الرؤية مطلقًا، قاله القرطبيّ. قال: وعامة ما يقتضي نفي تكليم الله تعالى على غير هذه الأحوال الثلاثة، فيجوز أن التكليم لم يقع حالة الرؤية، والدليل الأول قال فيه النوويّ، تبعًا لغيره: لم تنف عائشة وقوع الرؤية بحديث مرفوع، ولو كان معها لذكرته، وإنما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015