خمر، وإناء من لبن، وإناء من عسل، فأخذت اللبن، فقال: هي الفطرة التي أنت عليها" أي دين الإِسلام.
قال القرطبيّ: يحتمل أن يكون سبب تسمية اللبن فطرة، لأنه أول شيء يدخل بطن المولود ويشق أمعاءه. والسر في ميل النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه دون غيره، كونه كان مالوفأ له، ولأنه لا ينشأ من جنسه مَفْسدة. ووقع في هذه الرواية أن إتيانه بالآنية كان بعد وصوله إلى سدرة المنتهى. وسيأتي في الأشربة عن شُعبة عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "رُفِعت لي سدرة المنتهى، فإذا أربعة أنهار ... ، فذكره، قال: "وأُتيتُ بثلاثة أقداح" وهذا موافق للحديث المذكور، إلَّا أن شعبة لم يذكر مالك بن صعصعة في الإسناد، وعند ابن عائذ عن أبي هريرة في حديث المعراج بعد ذكر إبراهيم قال: "ثم انطلقنا، فإذا نحن بثلاثة آنية مغطاة، فقال جريل: يا محمد ألا تشرب مما سقاك ربك؟ فتناولت إحداها، فهذا هو عسَل فشربت منه قليلًا، ثم تناولت الآخر، فهذا هو لبن فشربت منه حتى رويت، فقال: ألا تشرب من الثالث؟ قلت: قد رويت. قال: وفقك الله".
وفي رواية البزار من هذا الوجه الثالث كان خمرًا، لكن وقع عنده أن ذلك كان ببيت المقدس، وأن الأول كان ماء، ولم يذكر العسل، وعند أحمد عن ابن عباس "فلما أتى المسجد الأقصى قام يصلي، فلما انصرف جيء بقدحين في أحدهما لبن، وفي الآخر عسل، فأخذ اللبن ... الحديث". وعند مسلم عن ثابت عن أنس أيضًا أنّ إتيانه بالآنية كان ببيت المقدس قبل المعراج، ولفظه "ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت فجاء جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن، ثم أخذت اللبن، فقال جبريل: أخذت الفطرة، ثم عَرج إلى السماء". وفي حديث شدّاد بن أوس "فصليت من المسجد حيث شاء الله، وأخدني من العطش أشد ما أخذني، فأُتيتُ بإناءين أحدهما لبن والآخر عسل، فعدلت بينهما، ثم هداني الله فأخذت اللبن، فقال شيخ بين يديّ لجبريل: أخذ صاحبك الفِطرة.