فينشقّ منها نهران: أحدهما الكوثر والآخر يقال له نهر الرحمة، فيمكن أن يفسر بها النهران الباطنان المذكوران في حديث مالك بن صعصعة، وكذا روي عن مقاتل، قال: الباطنان السلسبيل والكوثر.
وأما الحديث الذي أخرجه مسلم بلفظ "سيحان وجيحان والنيل والفرات من أنهار الجنة" فلا يغاير هذا، لأن المراد به أن في الأرض أربعة أنهار أصلها من الجنة، وحينئذ لم يثبت لسيحون وجيحون أنهما ينبعان من أصل سدرة المنتهى، فيمتاز النيل والفرات عليهما بذلك، وأما الباطنان المذكوران في الحديث، فهما غير سيحون وجيحون.
قال النووي: في هذا الحديث أن أصل النيل والفرات من الجنة، وأنهما يخرجان من أصل سدرة المنتهى، ثم يسيران حيث شاء الله، ثم ينزلان إلى الأرض، ثم يسيران فيها ثم يخرجان منها، وهذا لا يمنعه العقل، وقد شهد به ظاهر الخبر، فليعتمد. وأما قول عياض: إن الحديث يدل على أن أصل سدرة المنتهى في الأرض، لكونه قال: إن النيل والفرات يخرجان من أصلها، وهما بالمشاهدة يخرجان من الأرض، فيلزم منه أن يكون أصل السدرة في الأرض، وهذا متعقَّب، فإنَّ المراد بكونهما يخرجان من أصلها غير خروجهما بالنبع من الأرض، كما مرَّ قريبًا، ولو كان الأمر كذلك لَرُئيَتِ السدرةُ عند محل خروجهما، والحاصل أن أصلها في الجنة، وهما يخرجان أولاً من أصلها ثم يسيران إلى أن يستقرا في الأرض، ثم ينبعان.
واستدل به على فضيلة ماء النيل والفرات، لكون منبعهما من الجنة، وكذا سيحان وجيحان. قال القرطبيّ لعل ترك ذكرهما في حديث الإسراء لكونهما ليسا أصلًا برأسهما، وإنما يتفرعان عن النيل والفرات. قال: وقيل إنما أُطلق على هذه الأنهار أنها من الجنة تشبيهًا لها بأنهار الجنة، لما فيها من شدة العذوبة والحسن والبركة. والأول هو المعتمد. وفي رواية مالك بن صعصعة "ثم رُفع لي البيتُ المعمور" وقد مرَّ الكلام عليه مستوفى عند ذكر ترتيب الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، في السموات. وفي رواية مالك المذكورة "ثم أُتيتُ بإناء من