وقوله: فجلى الله لي بيت المقدس، قيل: معناه كشف الله الحجب بيني وبينه حتى رأيته. وعند مسلم عن أم سلمة قال: فسألوني عن أشياء لم أُثبتها، فكُربت كربًا لم أكرب مثله قط، فرفع الله لي بيت المقدس انظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلَّا نبأتهم به. ويحتمل أنه حمل إلى أن وضع بحيث يراه، ثم أعيد. وفي حديث ابن عباس المذكور "فجيء بالمسجد وأنا انظر إليه، حتى وضع عند دار عقيل، فنعتُّهُ وأنا انظر إليه، وهذا أبلغ في المعجزة، ولا استحالة فيه، فقد أُحضر عرش بلقيس في طَرْفة عَيْن لسليمان، وهو يقتضي أنه أزيل من مكانه حتى أحضر إليه، وما ذلك في قدرة الله بعزيز.
وفي حديث أم هانىء عند ابن سعد "فخيّل لي بيت المقدس، فطفقت أُخبرهم عن آياته"، فإن لم يكن مغيرًا من قوله "فجلى" وكان ثابتًا احتمل أن يكون المراد أنه مثل قريبًا منه، كما مرَّ نظيره في حديث "أريت الجنة والنار" ويؤول قوله: فجيء بالمسجد، أي جيء بمثاله. وفي حديث شداد بن أوس عند البزار والطبرانيّ ما يؤيد الاحتمال الأول، ففيه: ثم مررت بعيرٍ لقريش، فذكر القصة، ثم أتيت أصحابي قبل الصبح، فأتاني أبو بكر فقال: أين كنت الليلة؟ فقلت: إني أتيت بيت المقدس، فقال: إنه مسيرة شهر، فصفه لي. قال: ففتح لي شِراك كأني أنظر إليه، لا يسألني عن شيء إلَّا أنبأته عنه". وفي حديث أم هانىء أيضًا أنهم قالوا له: "كم للمسجد بابٌ؟ قال: ولم أكن عددتها، فجعلت انظر إليه وأعدها بابًا بابًا". وفيه عند أبي يعلى أنه الذي سأله عن صفة بيت المقدس هو المُطْعِم بن عديّ، ولد جبير بن مطعم. وفيه من الزيادة "فقال رجل من القوم: هل مررت بإبل لنا في مكان كذا وكذا؟ قال: نعم والله قد وجدتهم قد أضلوا بعيرًا لهم، فهم في طلبه، ومررت بإبل بني فلان، انكسرت لهم ناقة حمراء. قالوا: فأخبرنا عن عدتها وما فيها من الرعاة؟ قال: كنت عن عدتها مشغولًا، فقامَ فأتى الإبل فعدها، وعلم ما فيها من الرعاة، ثم أتى قريشًا فقال: هي كذا وكذا، وفيها من الرعاة فلان وفلان، فكان كما قال".
وقد مرَّ في بحث الترجمة ما ذكره ابن أبي جمرة من الحكمة في تقديم