أنس "لم أظن أحدًا يرفع عليّ" وفي حديث أبي سعيد "يزعم بنو إسرائيل أنه أكرم على الله، وهذا أكرم على الله مني" زاد الأموي في روايته "ولو كان هذا وحده هان عليّ، ولكن معه أمته، وهم أفضل الأمم عند الله" وفي رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أنه مرَّ بموسى عليه السلام، وهو يرفع صوته فيقول: أكرمته وفضلته. فقال جبريل: هذا موسى، فقلت: ومن يعاتب؟ فقال: يعاتب ربه فيك. قلت: ويرفع صوته على ربه؟ فقال: إنه قد عرف له حدته".
وفي حديث ابن مسعود عند الحارث وأبي يعلى والبزار "وسمعت صوتًا وتَذَمُّرًا، فسألت جبريل فقال: هذا موسى. قلت: على من تَذَمُّره؟ قال: على ربه، قلت: على ربه؟ قال: إنه يعرف ذلك منه". قال العلماء: لم يكن بكاء موسى حَسَدًا، معاذ الله، فإن الحسد في ذلك العالم منزوع من آحاد المؤمنين، فكيف بمن اصطفاه الله تعالى؟ بل كان أسفًا على ما فاته من الأجر الذي يترتب عليه رفع الدرجة، بسبب ما وقع من أمته من كثرة المخالفة، المقتضية لتنقيص أجورهم، المستلزمة لتنقيص أجره، لأن لكل نبي مثل أجر كل من اتبعه، ولهذا كان من اتبعه من أمته في العدد دون من أَتبع نبينا عليه الصلاة والسلام، مع طول مدتهم بالنسبة لهذه الأمة.
وأما قوله: غلام، فليس على سبيل النقص، بل على سبيل التنويه بقدرة الله وعظيم كرمه، إذ أعطى لمن كان في ذلك السن ما لم يعطه أحدًا قبله ممن هو أسنّ منه. قال الخطابيّ: العرب تسمي الرجل المستجمع السن غلامًا، ما دامت فيه بقية القوة، ويظهر أن موسى عليه السلام أشار إلى ما أنعم الله به على نبينا، عليه الصلاة والسلام، من استمرار القوة في الكهولية، وإلى أن دخل في سن الشيخوخة، ولم يدخل على بدنه هرم، ولا اعترى قوله نقص، حتى إن الناس في قدومه المدينة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، من حديث أنس، لما رأوه مُردفًا أبا بكر أطلقوا عليه اسم الشاب، وعلى أبي بكر اسم الشيخ مع كونه في العمر أسن من أبي بكر.
وقوله: مررت بعيسى ليست "ثم" على بابها في الترتيب، إلَّا إن قيل بتعدد