المنام وقعت قبل المبعث، لقول شريك في روايته عن أنس "وذلك قبل أن يوحى إليه". وعلى ظاهر رواية شريك هذه من كون المعراج وقع منامًا، ينتظم من ذلك أن الإِسراء وقع مرتين، مرة على انفراده، ومرة مضمومًا إليه المعراج. وكلاهما في اليقظة، والمعراج وقع مرتين: مرة في المنام، على انفراده توطئة وتمهيدًا، ومرة في اليقظة مضمومًا إليه الإِسراء.
الثالث: كانت قصة الإسراء في ليلة، والمعراج في ليلة، متمسكًا بما ورد في حديث أنس من رواية شريك من ترك ذكر الإسراء، وكذا في ظاهر حديث مالك بن صعصعة، ولكن ذلك لا يستلزم التعدد، بل هو محمول على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر.
واحتج أيضًا من زعم أن الإِسراء وقع مفردًا بما أخرجه البزّار والطبرانيّ، وصححه البيهقيّ في الدلائل عن شدّاد بن أوس قال: قلنا يا رسول الله، كيف أُسري بك؟ قال: "صليت صلاة العتمة بمكة، فأتاني جبريل بدابة ... فذكر الحديث في مجيئه بيت المقدس، وما وقع له فيه. قال: ثم انصرف بي فمررنا بعِيْرٍ لقريش في مكان كذا، فذكره قال: ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة.
الرابع: كان الإسراء إلى بيت المقدس خاصة في اليقظة، وكان المعراج منامًا، إما في تلك الليلة أو في غيرها، والذي ينبغي أن الاختلاف في كونه يقظة أو منامًا خاص بالمعراج لا بالإسراء، ولذلك، لما أخبر به قريشًا، كذبوه في الإِسراء، واستبعدوا وقوعه، ولم يتعرضوا للمعراج. وأيضًا فإن الله تعالى قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1] فلو وقع المعراج في اليقظة لكان ذلك أبلغ في الذكر، فلما لم يقع ذكره في هذا الموضع مع كون شأنه أعجب، وأمره أغرب من الإسراء بكثير دلّ على أنه كان منامًا، وأما الإسراء فلو كان منامًا لما كذبوه، ولا استنكروه، لجواز وقوع مثل ذلك، وأبعد منه لآحاد الناس.
الخامس: كان الإسراء مرتين في اليقظة، فالأُولى رجع من بيت المقدس