وفي صبيحته أخبر قريشًا بما وقع، وفي الثانية أُسريَ به إلى بيت المقدس، ثم عُرج به من ليلته إلى السماء، إلى آخر ما وقع. ولم يقع لقريش في ذلك اعتراض، لأنّ ذلك عندهم من جنس قوله "إن المَلَكَ يأتيه من السماء في أسرع من طَرْفة عين" وكانوا يعتقدون استحالة ذلك، مع قيام الحجة على صدقه بالمعجزات الباهرة، لكونهم عاندوا في ذلك، واستمروا على تكذيبه فيه، بخلاف إخباره أنه جاء بيت المقدس في ليلة واحدة ورجع، فإنهم صرحوا بتكذيبه فيه، فطلبوا منه نعت بيت المقدس لمعرفتهم به، وعلمهم بأنه ما كان رآه قبل ذلك، فامكنهم استعلام صِدْقه في ذلك، بخلاف المعراج.

السادس: جنح الإِمام أبو شامة إلى وقوع المعراج مرارًا، واستند إلى ما أخرجه البَزّار وسعيد بن منصور عن أبي عمران الجونيّ عن أنس، مرفوعًا، قال: "بينا أنا جالس إذ جاء جبريل، فوكز بين كتفيَّ، فقمنا إلى شجرة فيها مثل وَكْري الطائر، فقعدت في أحدهما. وقعد جبريل في الآخر، فارتفعت حتى سدت الخافقين، وأنا أقلب طرفي، ولو شئت أن أمس السماء لمسستُ، فالتفتُّ إلى جبريل كأنه جلس لأجلي، وفتح لي بابًا من السماء، ورأيت النور الأعظم، وإذا دونه حجابٌ رفرف الدر والياقوت، فأوحى إلى عبده ما أوحى.

ورجاله لا بأس بهم، إلَّا أن الدارقطني ذكر له علة تقتضي إرساله، وعلى كل حال فهي قصة أخرى الظاهر أنها وقعت بالمدينة، ولا بعد في وقوع أمثالها، وإنما المستبعد وقوع التعدد في قصة المعراج التي وقع فيها سؤاله عن كل نبي، وسؤال أهل كل باب هل بعث إليه، وفرض الصلوات الخمس وغير ذلك في اليقظة، لا يتجه، فيتعين رد بعض الروايات المختلفة إلى بعض، أو الترجيح. إلَّا أنه لا بُعد في وقوع جميع ذلك في المنام توطئة، ثم وقوعه في اليقظة على وفقه، كما مرَّ. ومن المستغرب قول ابن عبد البر في تفسيره: كان الإسراء في النوم واليقظة، ووقع بمكة والمدينة، فإن كان يريد تخصيص المدينة بالنوم، ويكون كلامه على طريق اللف والنشر غير المرتب، فيحتمل. ويكون الإسراء الذي اتصل به المعراج، وفرضت فيه الصلوات في اليقظة بمكة، والآخر في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015