في تلك الليلة يناسب الأحوال الأخروية، فكان المعراج أليق بذلك، أو للتفاؤل بحصول أنواع التقديس له حسًا ومعنى، أو ليجتمع بالأنبياء جملة كما يأتي بيانه. وقيل: إنه لما قُدّس ظاهرًا وباطنًا حين غسل بماء زمزم بالإيمان والحكمة، ومن شأن الصلاة أن يتقدمها الظهور -ناسب ذلك أن تفرض الصلاة في تلك الحالة، وليظهر شرفه في الملأ الأعلى، ويصلي بمن سكنه من الأنبياء وبالملائكة، وليناجي ربه، ومن ثَمَّ كان المصلي يناجي ربه عَزَّ وَجَلَّ.
وقال ابن أبي جمرة: الحكمة في الإسراء إلى بيت المقدس قبل العروج إلى السماء إرادة إظهار الحق، لمعاندة من يريد اخماده؛ لأنه لو عرج به من مكة إلى السماء لم يجد لمعاندة الأعداء سبيلًا إلى البيان والإيضاح. فلما ذكر أنه أسري به إلى بيت المقدس، سألوه عن تعريفات جزئيات من بيت المقدس، كانوا رأوها وعلموا أنه لم يكن رآها قبل ذلك، فلما أخبرهم بها حصل التحقيق بصدقه فيما ذكر من الإسراء إلى بيت المقدس في ليلة، وإذا صح خبره في ذلك لزم تصديقه في بقية ما ذكره، فكان ذلك زيادة في إيمان المؤمن، وفي شقاء الجاحد والمعاند.
وقيل: الحكمة في تخصيص فرض الصلاة بليلة الإسراء أنه عليه الصلاة والسلام لما عُرج له رأى في تلك الليلة تعبد الملائكة، وأن منهم القائم فلا يقعد، والراكع فلا يسجد، والساجد فلا يقعد فجمع الله له ولأمته تلك العبادات كلها في كل ركعة يصليها العبد بشرائطها، من الطمأنينة والإخلاص. قاله ابن أبي جمرة أيضًا، وقال: وفي اختصاص فرضيتها بليلة الإسراء، إشارة إلى عظيم بيانها، ولذلك اختص فرضها بكونها بمير واسطة، بل بمراجعة. تعددت على ما يأتي بيانه.
القول الثاني: إن ذلك كله وقع مرتين، مرة في المتام توطئة وتمهيدًا، ومرة ثانية في اليقظة كما وقع نظير ذلك في ابتداء مجيء المَلَك بالوحي، وإلى هذا ذهب المهلب وأبو نصر بن القُشَيريّ وأبو سعيد في شرف المصطفى، وحكاه السُّهيليّ عن ابن العربىّ، واختاره. وجوز بعض قائلي ذلك أن تكون قصة