على اتحادهما عنده. وإنما أفرد كلًا منهما بترجمة عند ذكر الحديث في السيرة النبوية قُبيل الهجرة بقليل؛ لأنّ كلًا منهما يشتمل على قصة مفردة، وإن كانا وقعا معاً في ليلة واحدة.

وقد اختلف السلف بحسب اختلاف الأخبار الواردة، فمنهم من ذهب إلى أن الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة، في اليقظة، بجسد النبي -صلى الله عليه وسلم- وروحه، بعد المبعث. وإلى هذا ذهب الجمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين، وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة، ولا ينبغي العدول عنه، إذ ليس في العقل ما يحيله حتى يحتاج إلى تأويل، ومما يؤيد وقوعهما في ليلة واحدة رواية ثابت عن أنس عند مسلم، ففي أوله "أتيتُ بالبراق، فركبتُ حتى أتيت بيت المقدس ... " فذكر القصة إلى أن قال: "ثم عُرج بنا إلى السماء الدنيا" وعند ابن إسحاق عن أبي سجد الخدريّ "فلما فرغت مما كان في بيت المقدس أتي بالمعراج ... الخ".

ووقع في أول حديث مالك بن صعصعة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حدثهم عن ليلة أُسْريَ به، فذكر الحديث، فهو وإن لم يذكر فيه الإسراء إلى بيت المقدس صريحًا، فقد أشار إليه بالركوب على البُراق، ووصف سيره فهو المعتمد، وعلى هذا المعتمد. فالحكمة في الإسراء إلى بيت المقدس ثم العُروج منه إلى السماء هي ما قد روى كعب الأحبار: أن باب السماء الذي يقال له مصعد الملائكة، يقابل بيت المقدس، فأخذ منه بعض العلماء أن الحكمة في الإسراء إلى بيت المقدس قبل العُروج ليحصل العروج مستويًا من غير تعويج. وفيه نظر، لوررد أن في كل سماء بيتًا معمورًا، وأن الذي في السماء الدنيا حيال الكعبة، وكان المناسب أن يصعد من مكة ليصل إلى البيت المعمور من غير تعويج، لأنه صعد من سماء إلى سماء إلى البيت المعمور.

وقيل: الحكمة في ذلك أن يجمع -صلى الله عليه وسلم- في تلك الليلة بين رؤية القبلتين، أو لأنّ بيت المقدس كان هجرة غالب الأنبياء قبله، فحصل له الرحيل إليه في الجملة ليجمع بين أشتات الفضائل، أو لأنه محل الحشر، وغالب ما اتفق له

طور بواسطة نورين ميديا © 2015