فيتعين أداؤها بحروفها.
أو وجه الحكمة هو أنه لو قال: ورسولك، لكان تكراراً مع قوله: "أرسلت"، فلما كان نبيًّا قبل أن يُرسل، صرَّح بالنبوة للجمع بينها وبين الرسالة، وإن كان وصف الرسالة مستلزمًا وصف النبوة، مع ما فيه من تعديد النعم وتعظيم المنة في الحالين.
أو احترز به ممن أُرسل من غير نبوة، كجبريل وغيره من الملائكة؛ لأنهم رسل لا أنبياء، فلعله أراد تخليص الكلام من اللَّبْس.
وقال القُرطبي تبعًا لغيره: هذا حُجة لمن لم يُجِز نقل الحديث بالمعنى، وهو الصحيح من مذهب مالك. يعني إلا لكامل المعرفة بالمعنى والمفردات العربية، فإن لفظ النبوة والرسالة مختلفان في أصل الوضع، فإن النبوة من النبأ، وهو الخبر، فالنبي في العُرف هو المُنْبَأ من جهة الله بأمر يقتضي تكليفًا، فإن أمر بتبليغه إلى غيره فهو رسول، وإلا فهو نبي غير رسول، وعلى هذا فكل رسول نبي دون عكس، فإن الرسول والنبي اشتركا في أمر عام وهو النبأ، وافترقا في الرسالة، فإذا قلت: فلان رسول تضمَّن أنه نبي رسول، وإذا قلت: فلان نبي، لم يستلزم أنه رسول، فأراد -صلى الله عليه وسلم- أن يجمع بينهما في اللفظ، لاجتماعهما فيه، حتى يُفهم من كل واحد منهما من حيث النطق ما وُضع له، وليخرُج عمّا يكون شبه التكرار في اللفظ من غير فائدة، فإنه إذا قال: ورسولك. فقد فُهم منه أنه أرسله، فإذا قال: "الذي أرسلت" صار كالحشو الذي لا فائدة فيه، بخلاف قوله: "ونبيِّك الذي أرسلت" فلا تكرار فيه، لا متحققًا ولا متوهمًا.
وقوله: صار كالحشو. متعقَّب لثبوته في أفصح الكلام، كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4} {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ} [المزمل: 15]، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى} [التوبة:33]، ومن غير هذا اللفظ: {يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ} [ق: 41]، إلى غير ذلك، فالأولى حذف هذا الكلام الأخير.