والاقتصار على قوله: "ونبيِّك الذي أرسلت" في هذا المقام أفيد من قوله: ورسولك الذي أرسلت، لما ذكر. والذي ذكره في الفرق بين الرسول والشعبي مقيدٌ بالرسول البشري دون الملَك، فيخلُص الكلام من اللبس كما مر.
وأما الاستدلال به على منع الرواية بالمعنى ففيه نظر؛ لأن شرط الرواية بالمعنى أن يتفق اللفظان في المعنى المذكور، وقد تقرر أن النبي والرسول متغايران لفظًا ومعنى، فلا يتم الاحتجاج بذلك.
وكذا لا حجة فيه لمن استدل به على أنه لا يجوز إبدال لفظ قال نبي الله مثلًا في الرواية، بلفظ: قال رسول الله، وكذا عكسه، ولو أجزنا الرواية بالمعنى، وكذا لا حجة فيه لمن أجاز الأول دون الثاني، لكون الأول أخص من الثاني؛ لأنا نقول: الذات المخبر عنها في الرواية واحدة، فبأي وصف وُصفت به تلك الذات من أوصافها اللائقة بها عُلم القصد بالمخبر عنه، ولو تباينت معاني الصفات، كما لو أبدل اسمًا بكُنية، أو كُنية باسم، فلا فرق بين أن يقول الراوي مثلًا: عن أبي عبد الله البخاري، أو عن محمد بن إِسماعيل البخاري، وهذا بخلاف ما في حديث الباب، فإنه يحتمل ما مر من الأوجه التي بيناها من ارادة التوقيف وغيره.
والسبب في منع الرواية بالمعنى هو أن الذي يستجيزُ ذلك قد يظُنُّ لفظًا يوفي بمعنى اللفظ الآخر، ولا يكون كذلك في نفس الأمر كما عُهد في كثير من الأحاديث، فالاحتياط الإتيان باللفظ، فعلى هذا إذا تحقق بالقطع أن المعنى فيهما متحد لم يضُر، بخلاف ما إذا اقتصر على الظن، ولو كان غالبًا.
وأخرج الترمذي عن رافع بن خُديج أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا اضطجع أحدُكم على يمينه، ثم قال" فذكر نحو الحديث، وفي آخره: "بكتابك الذي أنزلت، وبرسلك التي أرسلت" بصيغة الجمع، وقال: حسن غريب. فإن كان محفوظًا، فالسر فيه حصول التعميم الذي دلت عليه صيغة الجمع صريحًا، فدخل فيه جميع الرسل من البشر والملائكة، فأمن اللَّبْس.