فأين فائدة هذه الكلمات العظيمة، وتلك المقامات الشريفة.
ويمكن أن يكون الجواب أن كلاًّ منهما وإن مات على الفطرة فبين الفطرتين ما بين الحالتين، ففطرة الأول فطرة المقربين، وفطرة الثاني فطرة أصحاب اليمين، وقد وقع في رواية عند أحمد بدل قوله: "مات على الفِطرة"، "بُني له بيت في الجنة" وهو يؤيد ما ذكره القُرطبي.
قلت: لعل المراد عند ابن بطّال بالمساواة بين الحديثين، بالنظر إلى أن الثاني كان آخر ما تكلم به في الدنيا هذه الكلمة المشتملة على جميع عقائد التوحيد، فلا يبعُد أن يساوي الأول أو يزيد عليه.
وفي آخر هذا الحديث في التوحيد: "وإن أصبحتَ أصبتَ خيرًا"، وعند مسلم: "فإن أصبحت أصبحتَ وقد أصبت خيرًا"، وعنده في رواية أخرى: "وإن أصبحَ أصابَ خيرًا" أي: صلاحًا في الحال وزيادة في الأعمال.
وقوله: "واجعَلْهُنَّ آخر ما تتكلَّم به" ولابن عساكر: "ما تَكَلَّم به" بحذف إحدى التاءين، وللكُشميهني: "من آخر ما تتكلّم به"، وهي تبين أنه لا يمتنع أن يقول بعدهن شيئًا مما شُرع من الذكر عند النوم، والفقهاء لا يعُدون الذكر كلامًا في باب الإيمان، وإن كان كلامًا في باب اللغة.
وقوله: "فرددتُها" بتشديد الدال الأولى وإسكان الثانية، أي: الكلمات لأحفَظهُنَّ.
وقوله: "قال: لا، ونبيِّك الذي أرسلت" أي: لا تقل: ورسولك، بل قل: ونبيِّك الذي أرسلت. وفي رواية جرير بن منصور: "فقال: قل: وبنبيك".
وأولى ما قيل في الحكمة في رده عليه الصلاة والسلام على من قال الرسول بدل النبي، أن ألفاظ الأذكار توقيفية، ولها خصائص وأسرار لا يدخُلها القياس، فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به، فيُقْتَصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه، رقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف، ولعله أوحي إليه بهذه الكلمات،