خير الخلق، وأفضلهم بعد النبيين، وخواصِّ الملائكة المقربين، والأحاديث الواردة في فضلهم كثيرة، وسنأتي إن شاء الله تعالى بالبعض، وكفاهم ثناء الله تعالى عليهم ورضاه، وقد وعدهم الله تعالى مغفرة وأجرًا عظيمًا، ووعد الله حق، وصدق، لا يخلَف. {لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام: 115].
فقد قال سبحانه وتعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] إلى آخر السورة، لما أخبر سبحانه وتعالى أن سيدنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رسوله حقًا من غير شكٍّ، ولا رَيْب، قال: محمَّد رسول الله مبتدأ وخبر. وقال البيْضاوي وغيره: جملةٌ مبينة للمشهود به، يعني قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح: 28]، رادَّةٌ على الكفار في منع كتب اسمه، ويجوز أن يكون محمَّد خبر مبتدأ محذوف، صرح باسمه للعلم؛ دفعًا لتوهم غيره من الرسل، أي ذلك الرجل الموصوف "محمَّد رسول الله". ورسول الله بيان أو نعت، وهذه الآية مشتملة على كل وصف جميل، ولا يكون تركيب أجمل منه، ثم ثَنّى بالثناء على أصحابه فقال: {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]. كما قال تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54].
فوصفهم بالشدة والغلظة على الكفار، والرحمة والبر بالأخيار {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} أي: متعاطفون متوادّون بينهم، كالوالد مع الولد، وَصْفٌ لهم بكمالِ الرجولية والحكمة، حيث وضعوا كل شيء موضعه، وفي الحديث: "المُؤْمنون كالجَسَدِ الواحدِ إذا اشْتَكى عضوٌ منهُ تَدَاعى له سائرُ الجَسَدِ بالحُمّى والسَّهَر". وقال عليه الصلاة والسلام: "الرَّاحمونَ يرحَمُهُمُ الرَّحمن، ارْحَمُوا مَنْ في الأرْضِ يَرْحَمْكُم مَنْ في السَّماءِ". رواه أحمد في "مسنده"، وأبو داود، وأبو بكر بن أبي شيبة، والترمذي، وقال: