المسجد، ويجتمع إليه أصحابه، ثم ترك الجلوس في المسجد، فكان يصلي وينصرف إلى مجلسه، وترك حضور الجنائز، فكان يأتي أهلها فيعزيهم، ثم ترك ذلك كله، فلم يكن يصلي الصلوات في المسجد، ولا الجمعة، ولا يأتي أحدًا يعزيه، ولا يقضي له حقًا، واحتمل الناس له ذلك حتى مات عليه، وكان ربما قيل له في ذلك، فيقول: ليس كل الناس يقدر أن يَتَكَلَّم بعذرهِ، وسعي به إلى جَعْفر بن سُليمان بن علي بن عبد الله بن العباس، رضي الله عنهما، وهو عم أبي جَعْفَر المنصور، وقال له: إنه لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء، فغضب جعفر، ودعابه، وجرده من ثيابه، وضربه بالسياط، ومُدَّت يده حتى انخلعت كتفه، وارتُكِبَ منه أمرًا عظيمًا، فلم يَزَل بعد ذلك الضرب في علو رفعة، فكأنما كانت تلك السياط حُليًا له. وقال القَعْنبيُّ: دخلت على مالك بن أنس في مرضه الذي مات فيه، فسلمت عليه، ثم جلست، فرأيته يبكي، فقلت: أبا عبد الله! ما الذي يبكيك؟ فقال لي يا ابنَ قَعْنَب! وما لي لا أبكي، ومن أحق بالبكاء مني، والله لوددت أني ضربت بكل مسألة أفتيت فيها برأيي بسوط سوط، وقد كانت لي السعة فيما قد سبقت إليه، وليتني لم أُفت بالرأي، أو كما قال، وقال: معن بن عيسى: سمعت مالكًا يقول: إنما أنا بشر أخطىء وأصيب، فانظروا ما في رأيي، فما وافق السنة فخذوا به، وقال الدَّوْلَقِيُّ: أخذ مالك عن تسع مئة شيخ، ثلاث مئة من التابعين، وست مئة من تابعيهم، ممن اختاره وارتضاه لدينه وفهمه، وقيامه بحق الرواية, وشروطها، وسكنت النفس إليه، وترك الرواية عن أهل دين وصلاح لا يعرفون الرواية.
ومن الأعلام الذين روى عنهم: نافع مولى ابن عُمر، وزيد بن أسلم، والزُّهْرِيّ، وأبو الزِّناد، وعبد الرحمن بن القاسم بن أبي بكر الصديق، وأيوب السَّختياني وثور بن يزيد الدِّيلِيّ، وإبراهيم بن أبي عَبْلة المَقْدِسيّ، وحُميد الطويل، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وهشام بن