وعلى كل حال فإسناد الإِتيان إلى الوحي مجاز عقلي، لأن الإِتيان حقيقة من وصف حامله، ومناسبة الحديث للترجمة هي أن أحاديث الباب تتعلق بلفظ الترجمة، وبما اشتملت عليه، ولما كان في الآية أن الوحي إليه نظير الوحي إلى الأنبياء قبله، ناسب تقديم ما يتعلق بها، وهو صفة الوحي وصفة عامله, إشارة إلى أن الوحي إلى الأنبياء لا تباين فيه، فحسن إيراد هذا الحديث عقب حديث الأعمال الذي تقدم التقدير بأن تعلقه بالآية الكريمة أقوى تعلق.
وقله: "أحْيانًا يأتيني" جمع حين, وهو يطلق على أكثر الوقت وقليله. والمراد به هنا مجرد الوقت, فكأنه قال أوقاتًا يأتيني, وانتصب على الظرفية, وعامله يأتيني, مؤخر عنه.
وقوله: "مثلَ صلصلةِ الجرس": "مثل" يحتمل أن يكون مصدرًا أي إتيانًا مثل, ويحتمل أن يكون حالًا أي مشابهًا صوته صوت الجرس, والصَّلْصَلَة -بمهملتين مفتوحتين, بينهما لام ساكنة-:صوت وقوع الحديد بعضه على بعض, ثم أطلق على كل صوت له طنين. وقيل: هو صوت متدارك لا يدرك من أول وهلة. والجرس -بإسكان الراء- وهو الحس؛ والصلصلة المذكورة صوت الملك بالوحي, وقيل: صوت حَفِيْف أجنحة الملك, والحكمة في تقدمه أن يَقْرَعَ سمعه الوحي, فلا يبقى فيه متسع لغيره.
وقوله:"وهو أشده علي" يفهم منه أن الوحي كله شديد, ولكن هذه الصفة أشدها، وهو وضح لأن الفهم من كلام مثل الصلصلة أشكل من الفهم من كلام الرجل بالتخاطب, وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزُّلفى, ورفع الدرجات.
وقوله: "فَيَفْصِمُ عني" أي الملك أو الوحي، ويَفْصِم -بفتح المثناة التحتية- من باب ضرب أي يُقْلِعُ ويَنْجَلي عني ما يغشاني. ويُروى بضم أوله