من الرباعي، وبضم أوله مبنيًا للمجهول. والفصم. القطع، ومنه قوله تعالى: {لَا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة: 256] وقيل: القصم بالقاف القطع بإبانة، والفصم -بالفاء- القطع بلا إبانة. فذكر الفصم إشارة إلى أن الملك فارقه ليعود، والجامع بينهما بقاء العلاقة.
وقوله: "وَقَدْ وَعَيْتُ عنهُ ما قالَ" أي: القول الذي قاله، فالعائد محذوف، وكل من الضميرين المجرور والمرفوع عائد على المَلَك المفهوم مما تقدم، ولا معارضة بينه وبين قوله تعالى حكاية عمن قال من الكفار: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25] لأنهم كانوا يُنكرون الوحي، وينكرون مجيء الملَك به. والجواب عن استشكال التشبيه بصوت الجرس -مع أنه مذموم لصحة النهي عنه، لأنه مزمار الشيطان، كما في مسلم، وأبي داود، وغيرهما، فكيف يشبه به ما يفعله الملَك به مع أن الملائكة تنفر عنه- هو أنه لا يلزم من التشبيه تساوي المشبه بالمشبه به في الصفات كلها، بل يكفي اشتراكهما في صفة ما، والمقصود هنا بيان الجنس، فذكر ما ألِفَ السامعون سماعه تقريبًا لإِفهامهم. والحاصل أن الصوت له جهتان؛ جهة قوة وجهة طنين فمن حيث القوة وقع التشبيه به، ومن حيث الطنين وقع التنفير منه، ويحتمل أن يكون التشبيه وقع قبل النهي عنه، وقال الإِمام فضل الله التُّوْرِبِشْتيّ -بضم الفوقية، وسكون الواو، وبعدها راء فموحدة مكسورتان، ثم شين معجمة ساكنه، ففوقية مكسورة- لما سئل عليه الصلاة والسلام عن الوحي، وكان من المسائل العويصة التي لا يُماط نقاب التعزز عن وجهها لكل أحد، ضرب لها في الشاهد مثلا بالصوت المتدارك الذي يسمع، ولا يفهم منه شيء، تنبيهًا على أن إتيانها يرد على القلب في هَيبة الجلال , وأُبَّهة الكبرياء، فتأخذ هيبة الخطاب حين ورودها بمجامع القلب، ويلاقي من ثقل القول ما لا علم له به بالقول مع وجود ذلك، فإذا سُرِّيَ عنه، وجد القول المنزل بينًا ملقى في الروع واقعًا موقع المسموع، هذا معنى "فَيَفْصِمُ عني وَقَد وَعَيْتُ". وإنما كان هذا الضرب من الوحي أشد على النبي - صلى الله عليه وسلم - من غيره،