ومن لطائف هذا الحديث أنه فرد غريب باعتبار، مشهور باعتبار، وليس بمتواتر كما زعم بعضهم، لأن الصحيح أنه لم يروه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا عمر، ولم يروه عن عمر إلا علقمة، ولم يروه عن علقمة إلا محمَّد بن إبراهيم، ولم يروه عن محمَّد بن إبراهيم إلا يحيى بن سعيد، ومنه انتشر، فقيل: رواه عنه أكثر من مئتي راوٍ، وقيل: سبع مئة من أعيانهم مالك، والثَّوْرِيّ، والأَوْزَاعي، وابن المُبارك، وحمّاد بن زيد، واللَّيث ابن سعد، وابن عُيينة، فهو مشهور بالنسبة إلى آخره، غريب بالنسبة إلى أوله، وأطلق الخَطَّابِيّ نفي الخلاف بين أهل الحديث في أنه لا يعرف إلا بهذا الإِسناد، وهو كما قال، لكن بقيدين، أحدهما الصحة, لأنه ورد من طرق معلولة، ذكرها الدارقطني، وابن مَنْدة وغيرهما. ثانيهما السياق، لأنه ورد في معناه عدة أحاديث صحت في مطلق النية، كحديث عائشة، وأم سلمة عند مسلم: "يُبْعَثونَ على نِيّاتِهم" وحديث ابن عباس: "وَلكِن جهادٌ ونِيّة" وحديث أبي موسى: "مَنْ قاتَلَ لتكون كلمةُ اللهِ هي العليا فهو في سبيل الله" متفق عليهما، وحديث ابن مسعود: "رُبَّ قتيلٍ بينَ الصَّفَّيْن اللهُ أَعلمُ بِنيتهِ" أخرجه أحمد. وحَديث عُبادة: "مَنْ غَزا وهو لا يَنْوي إلاَ عِقالًا فله مَا نَوى" أخرجه النسائي. إلى غير هذا مما يتعسر حصره.
قال في "الفتح": وأنا استبعد صحة رواية هذا العدد له، فقد تَتَبَّعْتُ طرقه من الروايات المشهورة، والأجزاء المَنْثورة مُنْذُ طلبتُ الحديث إلى وقتي هذا، فما قدرت على تكميل المئة وقد تتبعت طرق غيره فزادت على ما نقل عمن تقدم، كما سيأتي مثال لذلك إن شاء الله تعالى في الكلام على حديث ابن عمر في غُسْلِ الجُمُعة.
والمشهور ملحق بالمتواتر عند المحدثين، غير أنه يفيد العلم النظري، إذا كانت طرقه مُتباينة، سالمة من ضَعْف الرواة، ومن التعليل.
والمتواتر يفيد العلم الضروري، ولا تشترط فيه عدالة ناقلة، وبذلك افترقا، يأتي قريبًا إن شاء الله بيان كل منهما، وقد شَذَّ من قال: إن هذا