إبدال الرسول بالنبي وعكسه:

بقي من لطائف السند أن البخاري، رحمه الله تعالى، ذكر في بعض رواياته لهذا الحديث: "سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام" وفي بعضها: "سمعت النبي عليه الصلاة والسلام، ويتعلق بذلك مسألة، وهي هل يجوز تغيير قال النبي إلى قال الرسول أو العكس؟ والظاهر الجواز، وإن كان الأفضل اتباع اللفظ؛ وإنما جاز لأنه لا يختلف به المعنى خلافًا لابن الصلاح القائل: الظاهر أنه لا يجوز، وإن جازت الرواية بالمعنى، لأن شرطه أن لا يختلف المعنى، وهو هنا مختلف، قال ابن حَجَر في "الفتح": وفيه نظر لأن الذات المخبر عنها في الرواية واحدة، فبأي وصف يعينها علم المقصود، ولو تباينت معاني الصفات، كإبدال اسم بكنيته والعكس، فلا فرق بين قول الراوي مثلًا عن أبي عبد الله البخاري، وعن محمَّد بن إسماعيل البخاري. ولا يَقْدَح في جواز الإِبدال المذكور ما رواه البراء بن عازِب - رضي الله عنه - في حديث الدعاء عند النوم، حيث قال: "وبرسولك الذي أرسلته" قال عليه الصلاة والسلام: "لا ونبيك الذي أرسلته" لأن عدم التغيير في ألفاظ الدعاء والأذكار هو الطريق, لأنها توقيفية في تعيين اللفظ، وتقدير الثواب، وربما كان في اللفظ، سر لا يحصل بغيره ولو رادفه في الظاهر. قال ابن حجر: أو لعله أوحي إليه بهذا اللفظ فرأى أن يقف عنده، أو ذكره احترازًا ممن أرسل بغير نبوة، كجِبْريل وغيره من الملائكة، فلعله أراد تخليص الكلام من اللَّبْس وإلى الراجح في المسألة أشار في طلعة الأنوار بقوله:

وأَبْدِلِ الرَّسُولَ بالنَّبيِّ ... أَو اعْكِسَنْ في المَذْهَبِ السَّنِّي

وما رَوَى ابنُ عازِبٍ لا يَطْعَنُ ... لأَنَّ ذَاكَ في الدُّعاءِ السّنَنُ

ونظم العراقي ما مال إليه ابن الصلاح بقوله:

وَإِنْ رَسولَ بنَبيٍّ أُبْدِلا ... فالظاهِرُ المَنْعُ كَعَكْسٍ فُعِلا

وقَدْ رَجَا جوازَهُ ابنُ حَنْبَلِ ... والنَّوَوِي صَوَّبَهُ وهْوَ جَلِيّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015