الحديث شاذٌّ، فإنه في أعلى مراتب الصحة، وهو أصل من أصول الدين، والقائل لهذا القول تبع الخليل أبا يعلى الخَليل بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن الخليل القَزْوِينيّ في تعريفه للشاذّ: بأنه ما انفرد به راو ثقة كان أو غير ثقة، خالف غيره أو لم يخالف، فما انفرد به ثقة يتوقف فيه، ولا يُحْتَجُّ به، لكنه يصلح لأن يكون شاهدًا، وما انفرد به غير الثقة متروك. وعرفه الحاكم: بأنه ما انفرد به الثقة، وليس له أصل متابع لذلك الثقة، فقيد بالثقة دون المخالفة، وفرق بينه وبين المعلل بأن المعلل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه، والشاذ لم يوقف فيه على علة كذلك، ورد ابن الصلاح فيه كلًّا من التعريفين، وعرفه بما عرفه به الشافعي، فقال: الشاذ ما خالف فيه الثقة مَنْ هو أحفظ منه أو أكثر عددًا، وأما نفس التفرد فلا يكون شذوذًا, لأن العدد ليس بشرط للصحيح على المعتمد، فقد قال مسلم في باب الأيمان والنذور من "صحيحه": روى الزُّهْرِيّ تسعين فردًا كلها قوي وفي "الصحيحين" الأفراد الصحيحة كحديث النهي عن بيع الوَلاء وهبته، فإنه لم يصِحَّ إلا من رواية عبد الله ابن دينار عن ابن عمر.
ويقع الشذوذ في السند والمتن، فمثاله في السند ما رواه الترمذي وغيره من طريق ابن عُيينة، عن عمرو بن دينار، عن شيخه عَوْسَجَة، عن ابن عباس أن رجلًا توفي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يَدَع وارثًا إلا مولى هو أعتقه .. ... الحديث، فإن حماد بن زيد رواه عن عمرو، عن عَوسجة، ولم يذكر ابن عباس، لكن تابع ابن عُيَيْنة على وصله ابن جُرَيْج وغيره، قال أبو حاتم: المحفوظ حديث ابن عُيينة، فحماد مع كونه من أهل العدالة والضبط، رَجَّح أبو حاتم رواية من هم أكثر عددًا منه، ومثاله في المتن زيادة يوم عرفة في حديث "أَيّامُ التَّشْريق أيامُ أكلٍ وشُربٍ" فإنه من جميع طرقه بدونها، وإنما جاء بها موسى بن علي بن رباح عن أبيه، عن عُقبة بن عامر.
فحديث موسى شاذّ لكنه صححه ابن حِبّان والحاكم، وقال: إنه على شرط مسلم، وقال الترمذي: إنه حسن صحيح. واختار ابن الصلاح فيما لم