غلام المُغيرة بن شُعبة، فرجع، فأخبر عمر، فقال: الحمد لله الذي لم يجعل قتلي بيد رجل يحاجني بـ "لا إله إلا الله" وكان قتله له قبل أن تستوي الصفوف، ولما ضربه، قال: دونكم الكلب، فإنه قد قتلني، فهاج الناس، وأسرعوا إليه، وضرب معه حينئذ اثني عشر، أو ثلاثة عشر رجلًا، مات منهم ستة، فرمى عليه رجل من العراق بُرْنُسًا، ثم بَرَكَ عليه، فلما رأى أنه لا يستطيع أن يتحرك، وجأ نفسه، أي ضربها فقتلها.
ولما جاء عمر إلى بيته قال: ادعوا لي الطبيب، فدعي الطبيب، فقال: أي الشراب أحب إليك، قال: النبيذ، فسقي نبيذًا، فخرج من بعض طعناته، فقال الناس هذا دمٌ، هذا صديد، فقال اسقوني لبنًا، فسقي لبنًا، فخرج من الطعنة، فقال الطبيب: لا أرى أن تمسي، فما كنت فاعلًا، فافعله، فوقعت قصة الشورى المشهورة، وأوصى أن يصلي عليه صُهيب، وقال لما فعل ما فعل من مسألة الشورى: إن وَلَّوْها الرجل الأَجْلَحَ سلك بهم الطريق المستقيم، يعني عليًا، والأجلح من الناس الذي انحسر الشعر عن جانبي رأسه، فقال له ولده عبد الله: ما يمنعك أن تُقَدِّمَ عليًّا؟ فقال أكره أن أحملها حيًّا وميتًا، ويقال: إنه لما احتضر ورأسه في حِجْر ولده عبد الله، قال:
ظلومٌ لِنَفْسِي غَيرَ أَنّي مُسْلمٌ ... أُصَلّي الصَّلَاةَ كُلَّها وأَصُومُ
وروي عنه أنه قال في انصرافه من حَجَّته التي لم يَحُجَّ بعدها: الحمد لله، ولا إله إلا الله، يعطي من يشاء ما يشاء، لقد كنت بهذا الوادي -يعني ضَجَنان- أرعى إبلًا للخطاب، وكان فظًّا غليظًا، يُتعبني إذا عملت، ويضرِبني إذا قصرت، وقد أصبحت وأمسيت، وليس بيني وبين الله أحد أخشاه، ثم تمثل فقال:
لا شيءَ مِمّا تَرى تَبْقَى بَشَاشَتُهُ ... يَبْقَى الإِلهُ ويَفْنى المالُ والولدُ
لم تُغْنِ عَن هُرْمُزٍ يومًا خزائِنُهُ ... والخلْدَ قَد حاوَلَتْ عَادٌ فَما خَلَدوا
ولاَ سُلَيْمانَ إذ تَجْرِي الرِّياحُ لَهُ ... والجِنُّ والإِنْسُ فِيما بَيْنَها تَرِدُ
أَيْن المُلوكُ الّتي كانَتْ لِعِزِّتِها ... مِنْ كُلِّ أَوْبٍ إِلَيْها وافِدٌ يَفِدُ