لراحة، فقالت: لعلك تمنيته لي، ما أحب أن أموت حتى يأتي علي أحد طرفيك: إما قتلك فاحتسبك، وإما ظفرت بعدوك فتقرّ عيني. قال عروة: فالتفت إلى عبد الله فضحك، فلما كان في اليوم الذي قتل فيه، ودخل عليها في المسجد فقالت له: يا بني لا تقبلنَّ منهم خطةَّ تخاف فيها على نفسك الذّل مخافة القتل، فوالله لضربةُ سيفٍ في عز خيرٌ من ضربةِ سوطٍ في المذلة، فخرج وقد جعل له مصراعٌ عند الكعبة، فكان تحته، فأتاه رجل من قريش فقال له: ألا تفتح باب الكعبة فتدخله؟ فقال عبد الله: من كل شيء تحفظ أخاك إلا من نفسه، والله لو وجدوكم تحت أستار الكعبة لقتلوكم، وهل حرمة المسجد إلا كحرمة البيت؟ ثم تمثل:
ولستُ بِمُبتاعِ الحياةِ بِسُبةٍ ... ولا مُرْتَقٍ من خَشْيةِ الموتِ سُلّماَ
قال: ثم شد عليه أصحاب الحجاج، فقال: أين أهل مصر؟ فقالوا: هم هؤلاء من هذا الباب، يعني أحد أبواب المسجد، فقال لأصحابه: اكسروا أغماد سيوفكم، ولا تميلوا عني فإني في الرعيل الأول. قال: ففعلوا ثم حمل عليهم، وحملوا معه، وكان يضرب بسيفين، فلحق رجلًا فضربه فقطع يده، وانهزموا فجعل يضربهم حتى أخرجهم من باب المسجد، فجعل رجل أسود يسبه، فقال له: إصبر يا ابن حام، فحمل عليه فصرعه قال: ثم دخل عليه أهل حمص من باب بني شيبة، فشد عليهم وجعل يضربهم حتى أخرجهم من باب المسجد، ثم انصرف وهو يقول:
لو كان قَرْني واحدا كفيته ... أوردته الموت وقد ذكَّيته
قال: ثم دخل أهل الأردن من باب آخر، فقال: من هؤلاء؟ فقيل: أهل الأردن، فجعل يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد، ثم أنصرف وهو يقول:
لا عهد لي بغارَة مثل السيل ... لا ينجلي قتامُها حتى الليلِ
قال: فأقبل عليه حجرٌ من ناحية الصفا، فضربه بين عينيه، فنكس رأسه وهو يقول:
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أعقابنا يقطر الدم