كان بابٌ من أبواب العبادة إلا تكلّف به ابن الزبير ولقد جاء سيل بالبيت، فرأيتُ ابن الزبير يطوف به سباحة.
شهد اليرموك مع أبيه الزبير وشهد أفريقية، وكان البشير بالفتح إلى عثمان، وشهد الدار وكان يقاتل عن عثمان، ثم شهد الجمل مع عائشة، وكان على الرَّجالة، ووجد وسط القتلى يوم الجمل وفيه بضع وأربعون جراحة، فأعطت عائشة البشير الذي بشرها بأنه لم يمت عشرة آلاف. وعن أبي عتيق أن عائشة قالت: إذا مر ابن عمر فأورينه، فلما مر ابن عمر قالوا: هذا ابن عمر، قالت له: يا أبا عبد الرحمن ما يمنعك أن تنهاني عن الخروج؟ قال: رأيت رجلًا قد غلب عليك، وظننتُ أنك لا تخالفينه، يعني ابن الزبير، قالت: أما إنك لو نهيتني ما خرجت. ثم اعتزل بعد الجمل حروب علي ومعاوية، ثم بايع لمعاوية، وما أراد أن يبايع ليزيد، فامتنع وتحول إلى البيت، وعاذ بالحرم، فأرسل إليه يزيد سليمان أن يبايع له، فأبى، ولقب نفسه عائذ الله، فلما كانت وقعة الحرَّة، وفتك أهل الشام بأهل المدينة، ثم تحولوا إلى مكة، فقاتلوا ابن الزبير واحترقت الكعبة أيام ذلك الحصار، ففجعهم الخبر بموت يزيد بن معاوية، فتوادعوا ورجع أهل الشام، وبايع الناس عبد الله بن الزبير، حينئذ بالخلافة سنة أربع وستين، ولم يتخلف عنه إلا بعض أهل الشام، فكان هو الخليفة، وحج بالناس ثماني حجج، ثم سار مروان فغلب على بقية الشام، ثم على مصر، ثم مات فقام ولده عبد الملك.
وقد قال مالك: كان ابن الزبير أفضل من مروان، وكان أولى بالأمر منه ومن ابنه، فغلب عبد الملك على العراق، وقتل مصعب بن الزبير، ثم جهز الحجاج إلى ابن الزبير فقاتله، وروي عن عُروة بن الزبير أنه قال: لما كان قبل قتل عبد الله بعشرة أيام، دخل على أمه أسماء وهي شاكية، فقال لها: كيف تجدينك يا أماه؟ قالت: ما أجدني إلا شاكية، قال لها: إِن في الموتِ