الثاني: هو أن التغاير يقع تارة باللفظ، وهو أكثر، وتارة بالمعنى، ويفهم ذلك من السياق، كقوله تعالى: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان: 71]، أي مرضيًّا عند الله، ماحيًا للعقاب محصلًا للثواب، فهو مؤول على إرادة المعهود المستقر في النفس، كقوله: أنت أنت أي الصديق الخالص، وقوله: أنا أبو النجم وشعري شعري.

الثالث: أنه قد يقصد بالخبر الفرد، وبالجزاء بيان الشهرة وعدم التغير، فيتحد الخبر بالمبتدأ لفظًا، والجزاء بالشرط كذلك. قال الشاعر:

خَلِيْلِي خَلِيْلِي دُونَ رَيْبٍ وَرُبّما ... ألانَ امْرُؤٌ قَوْلًا فُظُنَّ خَليلا

وكقولهم في الجزاء: من قَصَدَني، فقد قَصَدَني، أي قصد من عرف بإنجاح قاصده. الرابع: هو أنه إذا اتحد لفظ المبتدأ والخبر، والشرط والجزاء علم منهما المبالغة إما في التعظيم، كقوله: "فَمنْ كانتْ هجرتهُ إلى الله ورسولهِ" وإما في التحقير، كقوله: "فَمنْ كانت هجرتهُ إلى دنيا يُصيبها"

وقال الكِرماني: قوله: "إلى" يتعلق بالهجرة إن كانت، "كان" تامة، وخبر لـ "كان" إن كانت ناقصة، وقال: إن لفظ كان إن كان للأمر الماضي لا يعلم ما الحكم بعد صدور القول في ذلك؟ ثم قال: الظاهر أنه يجوز أن يراد بلفظ كان الوجود المطلق من غير تقييد بزمان، أو يقاس المستقبل على الماضي، أو من جهة أن حكم المكلفين سواء، وإنما أبرز الضمير في الجملة الأولى، وهي المحذوفة، فقال: "فهجرتهُ إلى الله ورسوله" لقصد الالتذاذ بذكر الله ورسوله، وعظم شأنهما قال الشاعر:

أعِدْ ذِكْرَ نُعْمانٍ لنا إنَّ ذِكْرَهُ ... هو المِسْكُ ما كَرَّرْتَهُ يَتَضَوَّعُ

بخلاف الدنيا والمرأة، فإن السياق يشعر بالحث على الإِعراض عنهما، فلذلك كُني عنهما إظهارًا لعدم الاحتفال بأمرهما.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015