وقيل: الخبر في الثاني محذوف، والتقدير فهجرته إلى ما هاجر إليه -من الدنيا والمرأة- قبيحة غير صحيحة أو غير مقبولة، ولا نصيب له في الآخرة. واعترض هذا بأنه يقتضي أن تكون الهجرة مذمومة مطلقًا، وليس كذلك؛ فإن من نوى بهجرته مفارقة دار الكفر وتزويج المرأة معًا لا تكون قبيحة، ولا غير صحيحة، بل ناقصة بالنسبة إلى من كانت هجرته خالصة، وإنما أشعر السياق بذم من فعل ذلك وهو مباح، والمباح لا مدح فيه ولا ذم، لكون فاعله أبطن خلاف ما أظهر، إذ خروجه في الظاهر ليس لطلب الدنيا، لأنه إنما خرج في صورة طلب فضيلة الهجرة، ولو طلبها مضمومة إلى الهجرة فإنه يُثاب على قصده الهجرة، لكن دون ثواب من أخلص، وكذا من طلب التزويج فقط، لا على صورة الهِجْرة إلى الله تعالى، لأنه من الأمر المباح الذي يثاب فاعله إذا قصد به القربة كالإعفاف، ومن أمثلة ذلك ما وقع في قصة إسلام أبي طلحة فيما رواه النسائي، عن أنس، قال: تزوج أبو طَلْحَةَ أم سليم، فكان صَدَاقُ ما بينهما الإِسلام، أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة، فخطبها فقالت: إني قد أسلمت، فإن أسلمت تزوجتك، فأسلم فتزوجته، وهو محمول على أنه رغب في الإِسلام، ودخله من وجهه، وضم إلى ذلك إرادة التزويج المباح، فصار كمن نوى بصومه العبادة والحمية، أو بطوافه العبادة، وملازمة الغريم، واختار الغزالي فيما يتعلق بالثواب أنه إن كان القصد الدنيوي هو الأغلب لم يكن فيه أجر، أو الديني أجر بقدره، وإن تساويا فتردد القصد بين الشيئين فلا أجر، وأما إذا نوى العبادة، وخالطها شيء مما يغاير الإخلاص؛ فقد نقل أبو جعفر بن جرير الطَّبَرِيّ، عن جمهور السلف: أن الاعتبار بالابتداء، فإن كان في ابتداء خالصًا لله، لم يَضِرَّه ما عرض له بعد ذلك من إعجاب وغيره، والله تعالى أعلم.
واستدل بهذا الحديث:
على أنه لا يجوز الإِقدام على العمل قبل معرفة الحكم، لأنّ فيه أن