مُهاجر أم قيس، وحديثها أخرجه الطَّبَراني بإسناد صحيح على شرط الشيخين، عن ابن مسعود قال: كان فينا رجل خطب امرأة، يقال لها: أم قيس، فأبت أن تتزوجه حتى يُهاجر، فهاجر، فتزوجها، فكنا نسميه مهاجر أم قيس.
وأخرجه سعيد بن منصور من وجه آخر، عن ابن مسعود أيضًا بلفظ: "مَنْ هاجَرَ يبتغي شيئًا، فإنما له ذلك. هاجر رجلٌ ليتزوجَ امرأة يقال لها: أم قيس، فكان يقال له: مهاجر أم قيس". والرجل لم يسم. والمرأة قال ابن دحية: إن اسمها قَيْلة -بقاف مفتوحة، ثم تحتانية ساكنة- وحكى ابن بَطّال، عن ابن السَّرّاج: أن السبب في تخصيص المرأة بالذكر أن العرب كانوا لا يزوجون المولى العربية، ويراعون الكفاءة في النسب، فلما جاء الإِسلام سوى بين المسلمين في مناكحتهم، فهاجر كثير من الناس إلى المدينة ليتزوج بها مَنْ كان لا يصل إليها قبل الإِسلام ويحتاج إلى نقل ثابت أن هذا المهاجر كان مولى، وكانت المرأة عربية، وليس ما نفاه عن العرب على إطلاقه، بل قد زوج خلق كثير منهم جماعة من مواليهم، وحلفائهم قبل الإِسلام، وإطلاقه أن الإِسلام أبطل الكفاءة في مقام المنع. واعلم أن الأصل تغاير الشرط والجزاء، فلا يقال: من أطاع أطاع، وإنما يقال: من أطاع نجا، وقد وقعا في هذا الحديث متحدين.
والجواب عن هذا من وجوه:
الأول: أن التغاير مقدر، أي فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله قصدًا ونية، فهجرته إلى الله ورسوله، حكمًا وشرعًا ونحو هذا في التقدير قوله: "فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها" واعتراض بعضهم على هذا الجواب بأن فيه حذف الحال المبينة، وحذفها بلا دليل ممنوع مردود، بما قاله الدَّمامِيني من أن ظاهر نصوصهم جواز الحذف. قال: ويؤيده أن الحال خبر في المعنى أو صفة، وكلاهما يسوغ حذفه بلا دليل، فلا مانع في الحال أن تكون كذلك.