الحديث المذكور، فلا يفيد ذلك في رد إفادة الحصر، بل يقويه، ويشعر بأن مفاد الصيغتين واحد، وإلا لما استعملوا هذه موضع هذه، وقد مر ما قرر في حديث: "إنما الماءُ من الماءِ" وقال ابن عطية: "إنما" لفظة لا تفارقه المبالغة والتأكيد حيثُ وَقَعَ، ويصلُحُ مع ذلك للحصر إن دخل في قصة ساعدت عليه، فجعل وروده للحصر مجازًا يحتاج إلى قرينة، وكلام غيره على العكس من ذلك، وكون أصل ورودها للحصر لا ينافي أنها قد تكون في شيء مخصوص لسبب كقوله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: 171] فإنه سيق باعتبار منكري الوحدانية، وإِلا فلله سبحانه صفات أخرى كالعلم، والقدرة، وكقوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد: 7] فإنه سيق باعتبار منكري الرسالة، وإلا فله - صلى الله عليه وسلم - صفات أخرى، كالبشارة إلى غير ذلك من الأمثلة.
والأعمال جمع عمل، وهو حركة البدن بكله أو بعضه، فالعمل إحداث أمر قولًا كان أو فعلًا بالجارحةِ، فالمراد بها في الحديث: الأعمال البدنية أقوالها وأفعالها، فرضها ونفلها، قليلها وكثيرها، الصادرة من المكلفين المؤمنين. والتقييد بالمكلفين المؤمنين يخرج أعمال الكفار، لأنّ المراد بالأعمال أعمال العبادة، وهي لا تصِحُّ من الكافر، وإن كان مخاطبًا بها، معاقبًا على تركها، قال ابن دَقِيقِ العيد: أخرج بعضهم الأقوال، وهو بعيد، ولا تردد عندي في أن الحديث يتناولها، وقد تعقب على من يسمي القول عملًا، لكونه عمل اللسان بأنَّ من حَلَفَ لا يعمل عملًا، فقال قولًا لا يحنث، وأجيب بأن مرجع اليمين إلى العرف، والقول لا يسمى عملا في العرف، ولهذا يعطف عليه، والتحقيق أن القول لا يدخل في العمل حقيقة، ويدخل مجازًا، وكذا الفعل لقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: 112] بعد قوله {زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112] وفي اللفظ خمس روايات: "إنما الأعمالُ بالنياتِ، الأعمالُ بالنيةِ، العمل بالنيةِ، إنما الأعمالُ بالنيةِ، الأعمالُ بالنياتِ" بحذف إنما وجمع الأعمال والنيات، والرواية الأولى