الحكم عن غير المذكور نحو: إنما قائم زيد لا عمرو، أو نفي غير الحكم عن المذكور، نحو: إنما زيد قائم أي لا قاعد بالمنطوق وضعًا حقيقيًا، والدليل استعمالها موضع النفي، والاستثناء كقوله تعالى: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التحريم: 7] وقوله: {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الصافات: 39] وقوله: {أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 92] وقوله: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [المائدة: 99] ومن الدليل الواضح حديث: "إنما الماءُ من الماءِ". فإن الصحابة الذين ذهبوا إليه لم يُعارضْهم الجمهور في فهم الحصر منه، وإنما عارضهم في الحكم من أدلةَ أخرى كحديث: "إذاَ التَقَى الخِتانانِ". ومن شواهده قول الأعْشى:

ولَسْتُ بالأَكْثَرِ مِنْهُم حَصَى ... وإنّما العِزَّةُ لِلْكَاثِرِ

يعني ما ثبتت العزة إلا لمن كان أكثر حصى، واختلفوا هل هي بسيطة أو مركبة، فرجَّحوا الأول، وقد يُرجَّح الثاني، ويجاب عما أورد عليه من قولهم: إنَّ "إنَّ" للإِثبات، و"ما" للنفي، فيستلزم اجتماع المتضادين على صدد واحد بأن يقال مثلا: أصلهما كان للإِثبات والنفي، لكنهما بعد التركيب لم يبقيا على أصلهما بل أفادا شيئًا آخر، أفاده الكِرْماني، قال: وأما قول من قال: إفادة هذا السياق للحصر من جهة أن فيه تأكيدًا بعد تأكيد، فهو المستفاد من "إنما" ومن الجمع، فَمُتَعَقَّبٌ بأنه من باب إيهام العكس، لأنّ قائله لما رأى أن الحصر فيه تأكيد على تأكيد، ظن أن كل ما وقع كذلك يفيدُ الحصر.

وقال ابن دَقيقِ العيدِ: استُدِلَّ على إفادة "إنما" للحصر، بأن ابن عباس استدل على أن الربا لا يكون إلا في النَّسيئَةِ، بحديث: "إنما الربا في النَّسيئَةِ"، وعارضه جماعة من الصحابة في الحُكْم، ولم يخالفوه في فَهْمه، فكان كالاتفاق منهم على أنها تفيد الحصر، وتعقب باحتمال أن يكونوا تركوا المعارضة بذلك تَنَزُّلًا. وأما من قال: يحتمل أن يكون اعتمادهم على قوله: "لا ربا إلا في النَّسيئةِ" لورود ذلك في بعض طرق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015